وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (١٠) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)
(ولقد مكناكم في الأرض) أي جعلنا لكم فيها مكاناً وأقدرناكم على التصرف فيها، وقيل المراد من التمكين التمليك (وجعلنا لكم فيها معايش) أي هيأنا لكم فيها أسباب المعاش. والمعايش جمع معيشة وهي ما يعاش به من المطعوم والمشروب وما تكون به الحياة، وفي القاموس العيش الحياة وأيضاً الطعام وما يعاش به والخبز، والمتعيش من له بلغة من العيش.
وقال الزجاج: المعيشة ما يتوصلون به إلى العيش وهو يعم جميع وجوه المنافع التي تحصل به الأرزاق من الزرع والثمار، وما يتحصل من المكاسب والأرباح في أنواع التجارات والصنائع، وكل ذلك بتمكينه سبحانه لعباده وإنعامه عليهم (قليلاً ما تشكرون) الكلام فيه كالكلام فيما تقدم قريباً، وحقيقة الشكر تصور النعمة وإظهارها ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها.
(ولقد خلقناكم ثم صورناكم) هذا ذكر نعمة أخرى عظيمة من نعم الله تعالى على عبيده والمعنى خلقناكم نطفاً ثم صورناكم بعد ذلك بالتخطيط وشق الحواس، وقيل العنى: خلقنا آدم من تراب ثم صورناكم في ظهره، وذكره بلفظ الجمع لأنه أبو البشر، وقيل (ثم صورناكم) راجع إليه ويدل عليه قوله تعالى (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم) فإن ترتيب هذا القول على الخلق والتصوير يفيد أن المخلوق المصور آدم عليه السلام.
وقال ابن عباس: خلقوا في أصلاب الرجال وصوروا في أرحام النساء، وعنه قال خلقوا في ظهر آدم وصوروا في الأرحام، وعنه أيضاً أما خلقناكم فآدم وأما صورناكم فذريته، وقال الأخفش ثم بمعنى الواو، وقيل المعنى:


الصفحة التالية
Icon