الوسوسة في قلب ابن آدم وأنه لا يقصر في ذلك، والمعنى يأتيهم من جميع الوجوه الممكنة لجميع الاعتبارات.
(و) عند أن أفعل ذلك (لا تجد) يا رب (أكثرهم شاكرين) موحدين لتأثير وسوستي فيهم وإغوائي لهم، وهذا قاله على الظن فأصاب لقوله تعالى (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه) لما رأى منهم أن مبدأ الشر متعدد ومبدأ الخير واحد، وقيل: إنه سمع ذلك من الملائكة فقاله، وقيل رآه مكتوباً في اللوح المحفوظ والأول أولى وقيل شاكرين مؤمنين وقيل عبر بالشكر عن الطاعة أو هو على الحقيقة، وأنهم لم يشكروا الله بسبب الإغواء.
(قال اخرج منها) أي من السماء أو من الجنة أو من بين الملائكة كما تقدم وقال له ذلك حين طرده عن بابه وأبعده عن جنابه (مذءوماً) من ذأمه يذأمه إذا ذمه وعابه ومقته وقيل المذءوم المنفى والذام العيب بهمز ولا يهمز، وحكى ابن الأنباري فيه ذيماً، وقال الليث الذام الاحتقار، وقيل الذم قاله ابن قتيبة (مدحوراً) أي مطروداً والدحر الطرد والإبعاد يقال دحره يدحره دحراً ودحورا ومنه [ويقذفون من كل جانب دحوراً] وقال ابن عباس: صغيراً ممقوتاً، وقال قتادة: لعيناً مقيتاً، وقال الكلبي: ملوماً مقصياً من الجنة ومن كل خير والمعاني متقاربة.
(لمن) بفتح اللام على أنها لام القسم وتسمى هذه اللام موطئة لأنها وطأت الجواب للقسم المحذوف أي مهدته له، وتسمى أيضاً المؤذنة لأنها تؤذن بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها لا على الشرط (تبعك منهم) أي من بني آدم وجواب القسم (لأملأن جهنم) وقيل اللام الأولى للتأكيد والابتداء وهذه لام القسم والأول أولى، وفي هذا الجواب من التهديد ما لا يقادر قدره (منكم أجمعين) أي منك ومنهم، وفيه تغليب الحاضر وهو إبليس على الغائب وهو الناس.


الصفحة التالية
Icon