وقال ثعلب المعنى وما رميت الفزع والرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء فانهزموا (ولكن الله رمى) أي أعانك وأظفرك، والعرب تقول رمى الله لك أي أعانك وأظفرك وصنع لك، وقد حكى مثل هذا أبو عبيدة في كتاب المجاز، قال محمد بن يزيد المبرد: المعنى وما رميت بقوتك إذ رميت ولكنك بقوة الله رميت.
وقيل المعنى أن الرمية بتلك القبضة من التراب التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها ما بلغ أثرها إلا ما يبلغه رمي البشر، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم، فأثبت الرمية لرسول الله ﷺ لأن صورتها وجدت منه، ونفاها عنه لأن أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل الله عز وجل فكأن الله فاعل الرمية على الحقيقة وكأنها لم توجد من رسول الله ﷺ أصلاً، هكذا في الكشاف.
وفي الآية بيان أن فعل العبد مضاف إليه كسباً وإلى الله خلقاً لا كما تقوله الجبرية والمعتزلة لأنه أثبت الفعل للعبد ثم نفاه عنه وأثبته لنفسه، فصح هذا النفي والإثبات، قال الكرخي: نفى الفعل عنهم وعنه باعتبار الإيجاد إذ الموجد حقيقة هو الله تعالى، وإثباته لهم وله باعتبار الكسب والصورة.
قال مجاهد: هذا لمحمد- ﷺ - حين حصب الكفار، وقال قتادة: رماهم يوم بدر بالحصباء، وعن حكيم بن حزام قال: لما كان يوم بدر سمعنا صوتاً من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طست ورمى رسول الله - ﷺ - بتلك الحصباء وقال: شاهت الوجوه فانهزمنا فذلك قوله تعالى: (وما رميت إذ رميت) الآية وعن جابر نحوه.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ لعلي: ناولني قبضة من حصباء فناوله فرمى بها في وجوه القوم فما بقي أحد من القوم إلا


الصفحة التالية
Icon