وهو القرب وليس ببعيد، وقال أبو السعود: تمثيل لغاية قربه من العبد كقوله: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وتنبيه على أنه مطلع على مكنونات القلوب ما عسى يغفل عنه صاحبها أو حث على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها قبل إدراك المنية فإنها حائلة بين المرء وقلبه، أو تصوير وتخييل لتملكه على العبد قلبه بحيث يفسخ عزائمه ويغير نياته ومقاصده ويحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته ويبدله بالأمن خوفاً وبالذكر نسياناً وما أشبه ذلك من الأمور العارضة المفوتة للفرصة اهـ.
وقال الربيع بن أنس: علمه يحول، وقال مجاهد: يحول حتى يتركه لا يعقل، وعن الحسن قال: في القرب منه، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: أن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك (١) أخرجه مسلم، وفي الباب أحاديث.
(وأنه إليه تحشرون) أي وأنكم محشورون إليه وهو مجازيكم بالخير خيراً وبالشر شراً، قال الفراء: ولو استأنفت فكسرت همزة إنه لكان صواباً، ولعل مراده أن مثل هذا جائز في العربية.
وهذا الحديث من أحاديث الصفات يجب إمراره على ما جاء من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه، وكذا هذه الآية وكونه من الصفات يرد تأويلها بالتمثيل.
_________
(١) مسلم ٢٦٥٤.
وروى الترمذي ٢/ ٣٦ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله - ﷺ - يكثر أن يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " فقلت: يا نبي الله آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: " نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف شاء ". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.


الصفحة التالية
Icon