لا ينافي الرخصة المتقدمة في قوله: (إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة) فإن الأمر بالثبات هو في حال السعة، والرخصة هي في حال الضرورة، وقد لا يحصل الثبات إلا بالتحرف أو التحيز.
(واذكروا الله كثيراً) عند جزع قلوبكم فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد، وقيل المعنى اثبتوا بقلوبكم واذكروا بألسنتكم فإن القلب قد يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان، فأمرهم بالذكر حتى يجتمع ثبات القلب واللسان.
قيل وينبغي أن يكون الذكر في هذه الحالة بما قاله أصحاب طالوت (ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين).
وفي الآية دليل على مشروعية الذكر في جميع الأحوال حتى في هذه الحالة التي ترجف فيها القلوب، وتزيغ عندها البصائر.
قال قتادة: افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف وأخرج الحاكم وصححه عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثنتان لا يردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً (١)، وأخرج الحاكم وصححه عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره الصوت عند القتال (٢).
(لعلكم تفلحون) أي كونوا على رجاء الفلاح والنصر والظفر
_________
(١) المستدرك كتاب الجهاد ٢/ ١١٣.
(٢) المستدرك كتاب الجهاد ٢/ ١١٦.
(وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا) أمرهم بطاعة الله فيما يأمرهم به وطاعة رسوله فيما يرشدهم إليه ونهاهم عن التنازع، وهو الاختلاف في الرأي فإن ذلك يتسبب عنه الفشل وهو الجبن في الحرب، وأما المنازعة بالحجة لإظهار الحق فجائزة كما قال (وجادلهم بالتي هي أحسن) بل هي مأمور بها بشروط