منها قصد إظهار الحق على لسان أي الخصمين وعلامته أن يفرح لظهوره على لسان خصمه.
(وتذهب ريحكم) الريح القوة والنصر كما يقال الريح لفلان إذا كان غالباً في الأمر، وقيل الريح الدولة شبهت في نفوذ أمرها بالريح في هبوبها، والمختار أن الريح يطلق ويراد به القوة والغلبة والرحمة والنصرة والدولة، قال في الخازن: الريح هنا كناية عن نفاذ الأمر وجريانه على المراد، تقول العرب هبت ريح فلان إذا أقبل أمره على ما يريد، وقال قتادة وابن زيد: هي ريح النصر ولم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدو ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور (١).
(واصبروا إن الله مع الصابرين) أمرهم بالصبر على شدائد الحرب وأخبرهم بأنه مع الصابرين بالنصر والعون في كل أمر ينبغي الصبر فيه، ويا حبذا هذه المعية التي لا يغلب من رزقها غالب، ولا يؤتى صاحبها من جهة من الجهات وإن كانت كثيرة
_________
(١) مسلم ٩٠٠.
(ولا تكونوا) في البطر والاستكبار (كالذين خرجوا من ديارهم) أي مكة (بطراً) أي فخراً وأشراً (ورئاء الناس) فيصيبكم مثل ما أصابهم نهاهم عن أن تكون حالتهم كحالة هؤلاء وهم قريش فإنهم خرجوا يوم بدر ليحفظوا العير التي مع أبي سفيان ومعهم القيان (١) والمعازف فلما بلغوا الجحفة بلغهم أن العير قد نجت وسلمت فلم يرجعوا بل قالوا لا بد لهم من الوصول إلى بدر ليشربوا الخمر وتغني لهم القيان وتسمع العرب بمخرجهم فكان ذلك منهم بطراً وأشراً وطلباً للثناء من الناس والتمدح إليهم، والفخر عندهم، وهو الرياء.
قيل والبطر في اللغة التقوِّي بنعم الله على معاصيه أي خرجوا بطرين مرائين أو خرجوا للبطر والرياء، قال الزجاج البطر الطغيان في النعمة وترك
_________
(١) المغنيات.