إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ
(إن شر الدواب عند الله الذين كفروا) أي شر ما يدب على وجه الأرض في حكم الله وقضائه المصرون على الكفر المتمادون في الضلال، وجعلهم شر الدواب لا شر الناس إيماء إلى انسلاخهم عن الإنسانية ودخولهم في جنس غير الناس من أنواع الحيوان لعدم تعقلهم لما فيه رشادهم، ومع ذلك هم شر من جميع أفرادها حسبما نطق به قوله تعالى: (إن هم إلا كالانعام بل هم أضل) عن سعيد بن جبير قال: نزلت في ستة رهط من اليهود فيهم ابن تابوت ولهذا قال: (فهم لا يؤمنون) أي هذا شأنهم لا يؤمنون أبداً ولا يرجعون عن الغواية أصلاً،
وهذا حكم مترتب على تماديهم في الكفر ورسوخهم فيه وتسجيل عليهم بكونهم من أهل الطبع لا يلويهم صارف ولا يثنيهم عاطف أصلاً. جيء به على وجه الاعتراض لا أنه عطف على كفروا داخل معه في حيز الصلة التي لا حكم فيها بالفعل، قاله أبو السعود
(الذين عاهدت منهم) أي أخذت منهم عهدهم أن لا يعينوا المشركين أي كفار مكة قيل من في (منهم) هو صلة أي عاهدتهم وقيل للتبعيض أي الذين عاهدتهم، وهم بعض أولئك الكفرة يعني الأشراف منهم.
(ثم ينقضون عهدهم) الذي عاهدتهم، وعطف المستقبل على الماضي للدلالة على استمرار النقض منهم، وهؤلاء هم قريظة عاهدهم رسول الله ﷺ على أن لا يعينوا الكفار فلم يفوا بذلك (في كل مرة) من مرات المعاهدة فنقصوا وأعانوهم بالسلاح وقالوا نسينا العهد ثم عاهدهم فنكثوا ومالؤوا الكفار عليه يوم الخندق (وهم) أي والحال أنهم (لا يتقون) الله في النقض والغدر، ولا يخافون عاقبته ولا يتجنبون أسبابه.