الآخر وعدم فقههم، وأنهم يقاتلون على غير بصيرة، ولا يقاتلون احتساباً وامتثالاً لأمر الله تعالى وإعلاء لكلمته وابتغاء لرضوانه كما يفعله المؤمنون، وإنما يقاتلون للحمية الجاهلية واتباع خطوات الشيطان، وإثارة ثائرة البغي والعدوان، ومن كان هكذا فهو مغلوب في الغالب.
ثم لما شق ذلك عليهم واستعظموه خفف عنهم ورخص لهم لما علمه سبحانه من وجود الضعف فيهم فقال:
(الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً) عن قتال عشرة أمثالكم، قرئ بضم الضاد وفتحها (فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) منهم (وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين) فأوجب على الواحد أن يثبت لاثنين من الكفار.
قال سفيان وابن شبرمة: وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا إن كانا رجلين أمرهما وإن كانوا ثلاثة فهو في سعة من تركهم، وقد قيل في نكتة التنصيص على غلب المائة للمائتين والألف للألفين أنه بشارة للمسلمين بأن عساكر الإسلام سيجاوز عددها العشرات والمئات إلى الألوف.
ثم أخبرهم بأن هذا الغلب هو (بإذن الله) وتسهيله وتيسيره وإرادته لا بقوتهم وجلادتهم، ثم بشرهم بأنه مع الصابرين فقال: (والله مع الصابرين) بعونه، وفيه الترغيب إلى الصبر والتأكيد عليهم بلزومه والتوصية به وأنه من أعظم أسباب النجاح والفلاح والنصر والظفر لأن من كان الله معه لم يستقم لأحد أن يغلبه.
وعن النصر باذى: إن هذا التخفيف كان للأمة دون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي يقول بك أصول وبك أجول، ومن كان كذا لا يثقل عليه شيء حتى يخفف، وقد اختلف أهل العلم هل هذا التخفيف نسخ أم لا ولا يتعلق بذلك كثير فائدة.


الصفحة التالية
Icon