أي إذا لم تبلغ أعمال الكفار إلى أن تكون مساوية لأعمال المسلمين، فكيف تكون فاضلة عليها كما يزعمون، وهذا الكلام استئناف مؤكد لما علم من إبطال المساواة بالتوبيخ المستفاد من الاستفهام أي لا يستوي الفريقان.
ثم حكم عليهم بالظلم فقال: (والله لا يهدي القوم الظالمين) وأي أنهم مع ظلمهم بما هم فيه من الشرك لا يستحقون الهداية من الله سبحانه، وهو تعليل في المعنى لنفي المساواة، وفي هذا إشارة إلى الفريق المفضول ثم صرح بالفريق الفاضل فقال:
(الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة) أي الجامعون بين الإيمان والهجرة والجهاد بالأموال والأنفس أحق بما لديه من الخير، من تلك الطائفة المشركة المفتخرة بأعمالها المحبطة الباطلة.
وفي قوله: (عند الله) تشريف عظيم للمؤمنين (وأولئك) أي المتصفون بالصفات الثلاثة المذكورة (هم الفائزون) بسعادة الدارين المختصون بالفوز المحصلون لأصله بالنسبة لكون الغير أهل السقاية والعمارة والمحصلون لأكمله بالنسبة لكون الغير من لم يجمع الأوصاف المذكورة، ثم فسر الفوز بقوله.
(يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات) التنكير في الثلاثة للتعظيم، والمعنى أنها فوق وصف الواصفين وتصور المتصورين، قال أبو حيان: لما وصف الله المؤمنين بثلاث صفات الإيمان والهجرة والجهاد بالنفس والمال، قابلهم على ذلك بالتبشير بثلاث، وبدأ بالرحمة في مقابلة الإيمان لتوقفها عليه، وثنى بالرضوان الذي هو نهاية الإحسان في مقابلة الجهاد الذي فيه بذك الأنفس والأموال، ثم ثلث بالجنات في مقابلة الهجرة وترك الأوطان إشارة إلى أنهم لما آثروا تركها بدلهم داراً عظيمة دائمة وهي الجنات انتهى.
(لهم فيها نعيم مقيم) الدائم المستمر الذي لا يفارق صاحبه.


الصفحة التالية
Icon