مدونة في الأصول، وفيها أيضاً دلالة على مشروعية الاحتراز عن العجلة والاغترار بظواهر الأمور.
وقال عمرو بن ميمون: اثنان فعلهما رسول الله - ﷺ - باجتهاده لم يؤمر فيهما بشيء: إذنه للمنافقين في التخلف، وأخذه الفداء من أسارى بدر، فعاتبه الله كما تسمعون، قال سفيان بن عيينة: انظر هذا التلطف به، بدأ بالعفو قبل أن يعيره بالذنب.
و (حتى) في قوله: (حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) للغاية، كأنه قيل لم سارعت إلى الإذن لهم، وهلا تأنيت حتى يتبين لك صدق من هو صادق منهم في العذر الذي أبداه، وكذب من هو كاذب منهم في دعواه، قال ابن عباس: لم يكن يعرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنافقين يومئذ حتى نزلت سورة براءة.
ثم ذكر سبحانه أنه ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوا رسول الله - ﷺ - في القعود عن الجهاد، بل كان من عادتهم أنه ﷺ إذا أذن لواحد منهم بالقعود شق عليه ذلك فقال:
(لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم) وهذا على أن معنى الآية أن لا يجاهدوا وقيل المعنى لا يستأذنك في التخلف كراهة الجهاد، وقيل أن معنى الاستئذان في الشيء الكراهة.
وأما على ما يقتضيه ظاهر اللفظ فالمعنى لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد بل دأبهم أن يبادروا إليه من غير توقف ولا ارتقاب منهم لوقوع الإذن منك فضلاً أن يستأذنوك في التخلف، فحيث استأذنك هؤلاء في التخلف كان ذلك مظنة للتأني في أمرهم بل دليلاً على نفاقهم (والله عليم بالمتقين) الذين لم يستأذنوا