قد علم من أحوالهم لو خرجوا أنهم يفعلون هذه الأفاعيل، فعوتب ﷺ على تسرعه إلى الإذن لهم قبل أن يتبين له الصادق منهم في عذره من الكاذب، ولهذا قال الله سبحانه فيما يأتي في هذه السورة (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً) الآية.
وقال في سورة الفتح (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها) إلى قوله: (قل لن تتبعونا) وفي الآية وعيد وتهديد للمنافقين الذين يلقون الفتن والشبهات بين المؤمنين، ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم والتشديد في الوعيد والإشعار بترتبه على الظلم، قال أبو السعود: ولعله شامل للفريقين السماعين والقاعدين.
(لقد ابتغوا الفتنة من قبل) أي لقد طلبوا الإفساد والخبال وتفريق كلمة المؤمنين وتشتت شملهم من قبل هذه الغزوة التي تخلفوا عنك فيها، كما وقع من عبد الله بن أبيّ وغيره يوم أحد حيث انصرف بأصحابه عنك، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
(وقلبوا لك الأمور) أي صرفوها من وجه إلى وجه ودبروا لك الحيل والمكايد، وردوا الآراء في إبطال أمرك وتقليب الأمر تصريفه من أمر إلى أمر وترديده لأجل التدبير والاجتهاد في المكر والحيلة، ومنه قول العرب للرجل حوَّل وقلب إذا كان دائراً حول المكايد والحيل يدبر الوأي فيها ويتدبره، وقرئ بالتخفيف.
(حتى جاء الحق) أي إلى غاية هي مجيء الحق وهو النصر لك والتأييد، وقيل الحق القرآن (وظهر أمر الله) بإعزاز دينه وإعلاء شريعته وقهر أعدائه (وهم كارهون) لمجيء الحق وظهور أمر الله، ولكن كان ذلك على رغم منهم


الصفحة التالية
Icon