(ونحن نتربص بكم) وإحدى المساءتين لكم من العواقب إما (أن يصيبكم الله بعذاب من عنده) أي قارعة نازلة من السماء كما أصاب من قبلكم من الأمم المهلكة فيسحتكم بعذابه (أو) بعذاب لكم (بأيدينا) أي بإظهار الله لنا عليكم بالقتل والأسر والنهب والسبي، والفاء في (فتربصوا) فصيحة والأمر للتهديد كما في قوله: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) أي تربصوا بنا ما ذكرنا من عاقبتنا (إنا) أي نحن (معكم متربصون) ما هو عاقبتكم فستنظرون عند ذلك ما يسرنا ويسوءكم.
(قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منكم) هذا الأمر معناه الشرط والجزاء لأن الله سبحانه لا يأمرهم بما لا يتقبله منهم، والتقدير إن أنفقتم طائعين أو مكرهين فلن يتقبل منكم، وقيل هو أمر في معنى الخبر أي أنفقتم طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منكم فهو كقوله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) وفيه الإشعار بتساوي الأمرين في عدم القبول.
وانتصاب طوعاً وكرهاً على الحال فهما مصدران في موقع المشتقين أي انفقوا طائعين من غير أمر من الله ورسوله أو مكرهين بأمر منهما، وليس المراد بالطوع الرغبة لقوله الآتي: (إلا وهم كارهون) أي لا رغبة لهم وسمى الأمر منهما إكراهاً لأنهم منافقون لا يأتمرون بالأمر فكانوا بأمرهم الذي لا يأتمرون به كالمكرهين على الإنفاق أو طائعين من غير إكراه من رؤسائكم أو مكرهين منهم، قال الخطيب: وهذه الآية وإن كانت خاصة في إنفاق المنافقين فهي عامة في حق كل من أنفق ماله لغير وجه الله بل أنفقه رياء وسمعة فإنه لا يقبل منه (إنكم كنتم قوماً فاسقين) تعليل لعدم قبول إنفاقهم، والفسق هنا التمرد والعتو وقد سبق بيان الفسق لغة وشرعاً.


الصفحة التالية
Icon