وأنفسهم في سبيل الله لوجود الداعي معهم وانتفاء الصارف عنهم، وفي الخازن وكرهوا الخروج إلى الجهاد، وذلك أن الإنسان يميل بطبعه إلى إيثار الراحة والقعود مع الأهل والولد ويكره إتلاف النفس والمال.
(وقالوا) أي قال المنافقون لإخوانهم (لا تنفروا في الحر) تثبيطاً لهم وكسراً لنشاطهم وتواصياً بينهم بالمخالفة لأمر الله ورسوله، وكانت غزوة تبوك في شدة الحر والقحط، فأمر الله رسوله ﷺ بقوله: (قل نار جهنم أشد حراً) المعنى أنكم أيها المنافقون كيف تفرون من هذا الحر اليسير، ونار جهنم التي ستدخلونها خالدين فيها أبداً أشد حراً مما فررتم منه، فإنكم إنما فررتم من حر يسير في زمن قصير، ووقعتم في حر كثير في زمن كبير، بل غير متناه أبد الآبدين ودهر الداهرين.
(لو كانوا يفقهون) أنها كذلك لما فعلوا ما فعلوا، وهذا اعتراض تذييلي من جهته تعالى غير داخل تحت القول المأمور به مؤكد لمضمونه.
(فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً) هذان الأمران معناهما الخبر والمعنى فسيضحك هؤلاء الذين تخلفوا عن رسول الله ﷺ قليلاً بالنسبة للبكاء في الآخرة وإن كان كثيراً في نفسه لأن الدنيا فانية والآخرة باقية، والمنقطع الفاني بالنسبة إلى الدائم الباقي قليل، ويبكون كثيراً، وإنما جيء بهما على لفظ الأمر للدلالة على أن ذلك أمر محتوم لا يكون غيره، والتقدير ضحكاً قليلاً وبكاء كثيراً أو زماناً قليلاً وزماناً كثيراً.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " (١) أخرجه البخاري.
(جزاء بما كانوا يكسبون) من المعاصي، والمعنى يجزون جزاء، أو سبب الأمر بقلة الضحك وكثرة البكاء جزاؤهم بعملهم.
_________
(١) البخاري كتاب الكسوف باب ٢.


الصفحة التالية
Icon