وقد روى في سبب نزول الآية استغفار النبي - ﷺ - لأبي طالب من طرق كثيرة وأصله في الصحيحين، وما فيهما مقدم على ما لم يكن فيهما على فرض أنه صحيح فكيف وهو ضعيف غالبه، وقيل إن أريد بطلب المغفرة للكافر هدايته للإسلام قبل الموت جاز الاستغفار له، وإن أريد به أن يغفر ذنبه مع بقائه على الكفر لم يجز فمفهوم هذه الآية فيه تفصيل.
وهذه الآية متضمنة لقطع الموالاة للكفار وتحريم الاستغفار لهم والدعاء بما لا يجوز لمن كان كافراً، ولا ينافي هذا ما ثبت عنه ﷺ في الصحيح أنه قال يوم أحد حين كسر المشركون ربامحيته وشجوا وجهه " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " لأنه يمكن أن يكون ذلك قبل أن يبلغه تحريم الاستغفار لهم.
وعلى فرض أنه قد كان بلغه كما يفيده سبب النزول فإنه قبل يوم أحد بمدة طويلة فصدور هذا الاستغفار منه لقومه إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من الأنبياء كما في صحيح مسلم عن عبد الله قال: كأني أنظر إلى النبي ﷺ يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه ويمسح الدم عن وجهه ويقول: " رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " (١).
_________
(١) مسلم ١٧٩٢ - البخاري ١٦٣٣.
(وما كان استغفار إبراهيم لأبيه) بقوله واغفر لأبي أي بأن توفقه للإيمان وتهديه إليه، وجه تعلق هذه الآية بما قبلها أنه تعالى لما بالغ في وجوب الانقطاع عن المشركين الأحياء منهم والأموات بين أن هذا الحكم غير مختص بدين محمد ﷺ بل هو مشروع أيضاً في دين إبراهيم فتكون المبالغة في وجوب الانقطاع أكمل وأقوى.


الصفحة التالية
Icon