(ثم تاب) أي رجع (عليهم) بالقبول والرحمة وأنزل في القرآن التوبة عليهم ليستقيموا أو وفقهم للتوبة فيما يستقبل من الزمان إن فرطت منهم خطيئة (ليتوبوا) عنها ويرجعوا فيها إلى الله ويندموا على ما وقع منهم ويحصلوا التوبة وينشؤوها فحصل التغاير وصح التعليل (إن الله هو التواب) أي الكثير القبول لتوبة التائبين (الرحيم) أي الكثير الرحمة لمن طلبها من عباده.
قال أبو بكر الوراق: التوبة النصوح أن تضيق على التائب الأرض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة هؤلاء الثلاثة، وفيه دليل على أن قبول التوبة بمحض الرحمة والكرم والرأفة والإحسان من الله تعالى، وأنه لا يجب عليه شيء.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) في مخالفة أمر الرسول ﷺ (وكونوا مع الصادقين) هذا الأمر بالكون مع الصادقين بعد قصة الثلاثة يفيد الإشارة إلى أن هؤلاء الثلاثة حصل لهم بالصدق ما حصل من توبة الله، وظاهر الآية الأمر للعباد على العموم، قال نافع: قيل للثلاثة كونوا مع محمد وأصحابه. وقال سعيد بن جبير: كونوا مع أبي بكر وعمر وزاد الضحاك وأصحابهما وعن ابن عباس مع علي بن أبي طالب، وعن جعفر قال: مع الثلاثة الذين خلفوا.
قال ابن جرير: مع المهاجرين وقيل مع الذين خرجوا مع رسول الله - ﷺ - إلى تبوك، وقيل مع الذين صدقوا في الاعتراف بالذنب ولم يعتذروا بالأعذار الباطلة، وهذه الآية تدل على فضيلة الصدق.
روي أن أبا بكر احتج بهذه الآية على الأنصار في يوم السقيفة حين قال الأنصار منا أمير ومنكم أمير، فقال: إن الله يقول في كتابه (للفقراء المهاجرين) إلى قوله: (أولئك هم الصادقون) فمن هؤلاء قال الأنصار أنتم هم؛ فقال إن الله يقول: (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) فأمركم أن تكونوا معنا ولم يأمرنا أن نكون معكم.