وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٨٦)
(وقال موسى يا قوم) تطميناً لقلوبهم وإزالة للخوف عنهم، وسماهم قومه من حيث إيمانهم به وإلا فهم من قوم فرعون أو المراد به بنو إسرائيل أو مطلق من آمن به ولو من القبط (إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) قيل أن هذا من باب التكرير للشرط فشرط في التوكل على الله الإيمان به والإسلام أي الاستسلام لقضائه وقدره، وبه قال الكرخي.
وقيل أن هذا ليس من تعليق الحكم بشرطين بل المعلق بالإيمان هو وجوب التوكل والمشروط بالإسلام حصوله ووجوده فإنه لا يوجد مع التخليط، والمعنى أن يسلموا أنفسهم لله أي يجعلوها له سالمة خالصة لا حظ للشيطان فيها لأن التوكل لا يكون مع التخليط، قال الكازروني: المعنى إن كنتم آمنتم وجب عليكم التوكل وإن كنتم مسلمين توكلتم عليه.
(فقالوا) أي قوم موسى مجيبين له (على الله توكلنا) أي اعتمدنا لا على غيره ثم دعوا الله مخلصين فقالوا (ربنا لا تجعلنا فتنة) أي موضع فتنة (للقوم الظالمين) والمعنى لا تسلطهم علينا فيعذبونا حتى يفتنونا عن ديننا، قاله مجاهد أو لا تجعلنا فتنة لهم يفتنون بنا غيرنا فيقولون لهم لو كان هؤلاء على حق لما سلطنا عليهم وعذبناهم، قاله مجاهد أيضاً وعلى المعنى الأول تكون الفتنة بمعنى المفتون.
ولما قدموا التضرع إلى الله سبحانه أن يصون دينهم عن الفساد أتبعوه بسؤال عصمة أنفسهم فقالوا:
(ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) أي من أيديهم، وفي هذا دليل على أنه كان لهم اهتمام بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة أنفسهم.