السعي والسبق لا يحصل إلا بالقدم، فسمي المسبب باسم السبب كما سميت النعمة يداً لأنها تعطي باليد.
(قال الكافرون إن هذا لساحر مبين) قرئ لساحر على أنهم أرادوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسم الإشارة وقرئ لسحر على أنهم أرادوا القرآن، وقد تقدم معنى السحر في البقرة، والجملة مستأنفة كأنه قيل ماذا صنعوا بعد التعجب؛ وقال القفال: فيه إضمار والتقدير فلما أنذرهم قال الكافرون ذلك.
ثم إن الله سبحانه جاء بكلام يبطل به العجب الذي حصل للكفار من الإيحاء إلى رجل منهم فقال (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام) من أيام الدنيا أي في قدرها لأنه لم يكن ثمَّ شمس ولا قمر، ولو شاء لخلقهن في لمحة والعدول عنه لتعليم خلقه التأني والتمهل في الأمور، وتخصيص الستة بالذكر مع أن التثبت يتأتى بأقل منها وبأزيد عليها قد استأثر الله بعلمه.
والمعنى أن من كان له هذا الاقتدار العظيم الذي تضيق العقول عن تصوره كيف يكون إرساله لرسوله إلى الناس من جنسهم محلاًّ للتعجب مع كون الكفار يعترفون بذلك فكيف لا يعترفون بصحة هذه الرسالة لهذا الرسول.
(ثم استوى على العرش) استواء يليق به وهذه طريقة السلف المفوضين وقد تقدم تفسير هذه الآية في الأعراف بما فيه كفاية فلا نعيده هنا، قال الكرخي: إن الاستواء على العرش صفة له سبحانه بلا كيف. انتهى فهذه الصفة يجب الإيمان بها وإمرارها على ظاهرها من غير تأويل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تمثيل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وطريقة الخلف المؤولين محجوجة بنصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وأئمتها، وظاهر الآية يدل على أنه تعالى إنما استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض لأن كلمة ثم للتراخي وذلك يدل على أنه تعالى كان قبل العرش غنياً عنه، فلما خلقه امتنع أن تنقلب حقيقته وذاته عن الاستغناء إلى


الصفحة التالية
Icon