(وأوحي إلى نوح أنه) في محل رفع على أنه نائب الفاعل الذي لم يسم، ويجوز أن يكون في محل نصب بتقدير الباء أي بأنة (لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) وفي الكلام تأييس له من إيمانهم وإنهم مستمرون على كفرهم مصممون عليه لا يؤمن أحد منهم إلا من قد سبق إيمانه، أو المراد إلا من استعد للإيمان وتوقع منه ولا يراد ظاهره، وإلا كان المعنى إلا من آمن فإنه يؤمن
وقيل أن الاستثناء منقطع وهو على طريقة قوله (إلا ما قد سلف) قال قتادة: وذلك حين دعا عليهم نوح قال (لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً) وعن الحسن قال: إن نوحاً لم يدع على قومه حتى نزلت الآية هذه فانقطع عند ذلك رجاؤه منهم فدعا عليهم (فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) البؤس الحزن أي فلا تحزن عليهم، قاله ابن عباس والبائس المستكين، فنهاه الله سبحانه عن أن يحزن حزن مستكين لأن الابتئاس حزن في استكانة، يقال ابتأس فلان إذا بلغه ما يكره والمبتئس الكاره الحزين.
ثم إن الله سبحانه لما أخبره أنهم لا يؤمنون البتة عرفه الله هلاكهم وألهمه الأمر الذي يكون به خلاصة وخلاص من آمن معه فقال
(واصنع الفلك) الظاهر أنه أمر إيجاب لأنه لا سبيل إلى صون روح نفسه وأرواح غيره من الهلاك إلا بهذا الطريق وصون النفس من الهلاك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أي اعمل السفينة متلبساً (بأعيننا) أي بمرأى منا وبأبصارنا لك وهو مجاز عن كلاء الله له بالحفظ وعبر بالأعين عن ذلك لأنها آلة الرؤية وهي التي تكون بها الحراسة والحفظ في الغالب.
وقيل بعلمنا لك وجمع الأعين للمبالغة والتعظيم لا للتكثير، وقيل معناها بأعين ملائكتنا الذين جعلناهم عيوناً على حفظك، وقيل بأمرنا، والحق أن العين صفة من صفاته لا ندري كيفيتها فيجب إمرارها على ظاهرها من دون


الصفحة التالية
Icon