أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩)
(أولئك) أي المتصفون بالصفات السابقة من عدم الرجاء وحصول الرضا والاطمئنان والغفلة (مأواهم النار) أي مثواهم ومكان إقامتهم (بما كانوا) أي بسبب ما كانوا (يكسبون) من الكفر والتكذيب بالمعاد، فهذا حال الذين لا يؤمنون بالمعاد.
وأما حال الذين يؤمنون به فقد بينه سبحانه بقوله
(إن الذين آمنوا) أي فعلوا الإيمان الذي طلبه الله منهم بسبب ما وقع منهم من التفكر والاعتبار فيما تقدم ذكره من الآيات (وعملوا الصالحات) التي يقتضيها الإيمان وهي ما شرعه الله لعباده المؤمنين (يهديهم ربهم بإيمانهم) أي يرزقهم الهداية بسبب هذا الايمان المضموم إليه العمل الصالح فيصلون بذلك إلى الجنة.
وعبارة أبي السعود يهديهم بسبب إيمانهم إلى مأواهم ومقصدهم وهي الجنة وإنما لم تذكر تعويلاً على ظهورها وانسياق النفس إليها. قال القاضي: ومفهوم الترتيب وإن دل على أن سبب الهداية هو الإيمان والعمل الصالح، لكن دل منطوق قوله بإيمانهم على استقلال الإيمان بالسببية وأن العمل الصالح كالتتمة والرديف له: انتهى.
وهذا رد لما في الكشاف من أن الآية دلت على أن المعتبر في الهداية إلى الجنة هو المقيد بالعمل الصالح لا المطلق، قال الخفاجي: وقد رد هذا بأن الجمع بين العمل الصالح والإيمان ظاهر في أنهما السبب والتصريح بسببية الإيمان المضاف إلى الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالتنصيص على أنه ذلك الإيمان المقرون بما معه لا المطلق، لكنه ذكر لأصالته وزيادة شرفه فلا استدراك ولا دلالة على استقلاله ثم إن النزاع إنما هو في سبب الهداية إلى طريق الجنة لا إلى


الصفحة التالية
Icon