وأرشدهم إليه بقولهم
(ما لنا في بناتك من حق) أي ما لنا فيهم من شهوة ولا حاجة لأن من احتاج إلى شيء فكأنه حصل له فيه نوع حق، ومعنى ما نسبوه إليه من العلم أنه قد علم منهم المكالبة على إتيان المذكور وشدة الشهوة إليهم، فهم من هذه الحيثية كأنهم لا حاجة لهم إلى النساء، ويمكن أن يريدوا: أنهم لا حق لنا في نكاحهنّ، لأنه لا ينكحهنّ ولا يتزوجهنّ إلّا مؤمن ونحن لا نؤمن أبداً، وقيل إنهم كانوا قد خطبوا بناته من قبل فردهم، وكان من سنتهم أن من خطب فردّ فلا تحل المخطوبة أبداً؛ (وإنك لتعلم ما نريد) من إتيان المذكور، ثم إنه لما علم تصميمهم على الفاحشة وأنهم لا يتركون ما قد طلبوه
(قال لو أن لي بكم قوة) وجواب لو محذوف، والتقدير لدافعتكم عنهم ومنعتكم منهم، وهذا منه عليه السلام على طريق التمني: أي لو وجدت معيناً وناصراً، فسمي ما يتقوى به قوة (أو آوي إلى ركن شديد) عطف على ما بعد لوطاً فيه من معنى الفعل، والتقدير: لو قويت على دفعكم أو آويت إلى ركن شديد. وَقرئ (أو آويَ) بالنصب عطفاً على قوة كأنه قال: لو أن لي بكم قوة أو إيواء إلى ركن شديد، ومراده بالركن الرشيد: العشيرة، وما يمنع به عنهم هو ومن معه لأنه كان أولاً بالعراق مع إبراهيم فلما هاجر إلى الشام أرسله الله إلى أهل سدوم وهي قرية عند حمص.
قال أبو هريرة: ما بعث الله نبياً بعده إلا في منعة من عشيرته، وقيل أراد بالقوة الولد وبالركن من ينصره من غير ولده، وقيل أراد بالقوة قوته في نفسه قال السدي: إلى جند شديد لقاتلتكم.
وقد ثبت في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يغفر الله للوط إن كان يأوي إلى ركن شديد، وهو مروي في غير الصحيح من طريق غيره من الصحابة، وقال النووي: المراد بالركن الشديد هو الله عز وجل فإنه أشد الأركان وأقواها وأمنعها اهـ. وهو يخالف ظاهر الآية والحديث المتقدم.