وأحسن هذه الأقوال أنها بمعنى الاستثنائية، وقد روي ذلك عن الخليل وسيبويه ورجحه الزجاج، وقرأ أبيّ أن كُلاًّ إلا ليوفينهم وقرئ بالتنوين بمعنى جميعاً وبسط الكلام في ذلك في جمل، قال السمين: هذه الآية الكريمة مما تكلم الناس فيها قديماً وحديثاً وعسر على أكثرهم تلخيصها قراءة وتخريجاً وقد سهل الله تعالى ذلك فذكرت أقاويلهم وما هو الراجح منها فأقول:
قرأ بعضهم إن ولما مخففتين وبعضهم خفف إن وثقل لما وبعضهم شددهما وبعضهم شدد إن وخفف لما فهذه أربع قراءات في هذين الحرفين وكلها متواترة سبعية قال: والرابعة وهي تشديد إن وتخفيف لما فواضحة جداً وقرئ شاذاً وإن كل بتخفيف إن ورفع كل ولما بالتشديد، وهي قراءة الحسن البصري وعليها فلما بمعنى إلا انتهى ملخصاً وقرئ أيضاً شاذاً قراءات أخر فلتراجع في السمين وغيره.
(إنه بما تعملون) أيها المختلفون (خبير) لا يخفي عليه منه شيء والجملة تعليل لما قبلها وفيه وعد للمحسنين المصدقين ووعيد للمكذبين الكافرين.
ثم أمر سبحانه رسوله ﷺ بكلمة جامعة لأنواع الطاعة له سبحانه فقال
(فاستقم كما أمرت) أي كما أمرك الله فيدخل في ذلك جميع ما أمره به وجميع ما نهاه عنه لأنه قد أمره بتجنب ما نهاه عنه كما أمره بفعل ما تعبده بفعله. وأمته اسوته في ذلك.
قال قتادة: أمره أن يستقيم على أمره ولا يطغى في نعمته، وقال سفيان: استقم على القرآن، وعن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية قال: شمروا شمروا فما رئي ضاحكاً قال أبو السعود: وبالجملة فهذا الأمر منتظم لجميع محاسن الأحكام الأصلية والفرعية والكمالات النظرية والعملية والخروج عن عهدته في غاية ما يكون من الصعوبة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: شيبتني سورة هود (١).
(و) ليستقم (من تاب معك) أي آمن ورجع عن الكفر إلى الإسلام
_________
(١) الترمذي، تفسير سورة، ٥٦/ ٦.


الصفحة التالية
Icon