وهذا مما يدل على أن الآية تعم المسلم والكافر كما يشعر به لفظ الناس ولفظ الإنسان. اللهم أوزعنا شكر نعمك وأذكرنا الأحوال التي مننت علينا فيها بإجابة الدعاء حتى نستكثر من الشكر الذي لا نطيق سواه ولا نقدر على غيره، وما أغناك عنه وأحوجنا إليه ولئن شكرتم لأزيدنكم.
(كذلك) أي مثل ذلك التزيين العجيب أي كما زين له الدعاء عند الضرر والإعراض عند الرخاء (زين للمسرفين ما كانوا يعملون) أي عملهم، والمسرف في اللغة هو الذي ينفق المال الكثير لأجل الغرض الخسيس، والتزيين هو إما من جهة الله تعالى على طريق التخلية وعدم اللطف بهم أو من طريق الشيطان بالوسوسة أو من طريق النفس الأمارة بالسوء، والمعنى إنه زين لهم الإعراض عن الدعاء والغفلة عن الشكر والاشتغال بالشهوات.
ثم ذكر سبحانه ما يجري مجرى الردع والزجر عما صنعه هؤلاء فقال
(ولقد أهلكنا القرون) يعني الأمم الماضية (من قبلكم) أي قبل هؤلاء الكفار المعاصرين للنبي ﷺ يعني أهلكناهم من قبل زمانكم، وقيل الخطاب لأهل مكة على طريق الالتفات للمبالغة في الزجر.
(لما ظلموا) أي أهلكناهم حين فعلوا الظلم بالتكذيب والتجارؤ على الرسل والتطاول في المعاصي من غير تأخير لإهلاكهم كما أخرنا إهلاككم. وقيل الظلم هنا الشرك أي لما أشركوا.
(وجاءتهم رسلهم) الذين أرسلناهم إليهم (بالبينات) أي بالآيات الواضحات الدالة على صدق الرسل (وما كانوا ليؤمنوا) الجملة اعتراضية واللام لتأكيد النفي، أي وما صح لهذه الأمم وما استقام أن يؤمنوا برسلهم لعدم استعدادهم لذلك وسلب الإلطاف عنهم.
(كذلك نجزي القوم المجرمين) أي مثل ذلك الجزاء وهو الاستئصال الكلي لكل مجرم، وهذا وعيد شديد لمن كان في عصره من الكفار أو لكفار مكة على الخصوص.


الصفحة التالية
Icon