والدهم لا يأذن لهم بذلك وكان هذا الجب معروفاً يرد عليه كثير من المسافرين.
(إن كنتم فاعلين) أي عاملين بما أشرت به عليكم في أمره كأنه لم يجزم بالأمر بل وكله إلى ما يجمعون عليه كما يفعله المشير مع من استشاره، وفي هذا دليل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء فإن الأنبياء لا يجوز عليهم التواطؤ على القتل لمسلم ظلماً وبغياً، وقيل كانوا أنبياء وكان ذلك منهم زلة قدم أوقعهم فيها التهاب نار الحسد في صدورهم واضطرام جمرات الغيظ في قلوبهم.
ورد بأن الأنبياء معصومون عن مثل هذه المعصية الكبيرة المتبالغة في الكبر مع ما في ذلك من قطع الرحم وعقوق الوالد وافتراء الكذب، وقلة الرأفة بالصغيرَ الذي لا ذنب له والغدر بالأمانة وترك العهد، وقيل عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة بهم، ولو فعلوا ذلك لهلكوا جميعاً، وقيل أنهم لم يكونوا في ذلك الوقت أنبياء بل صاروا أنبياء من بعد وكان كل ذلك قبل أن ينهاهم الله.
ولما أجمع رأيهم على أن يلقوه في غيابات الجب جاءوا إلى أبيهم وخاطبوه بلفظ الأبوة استعطافاً له وتحريكاً للحنو الذي جبلت عليه طبائع الآباء للأبناء وتوسلاً بذلك إلى تمام ما يريدونه من الكيد الذي دبروه واستفهموه استفهام المنكر لأمر ينبغي أن يكون الواقع على خلافه.
(قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف) أي أي شيء لك لا تجعلنا أمناء عليه وكأنهم قد كانوا سألوه قبل ذلك أن يخرج معهم يوسف، فأبى قرئ تأمناً بالإظهار وبالإدغام من غير إشمام واتفق الجمهور على الإخفاء أو الإشمام (وإنا له لناصحون) في حفظه وحيطته عاطفون عليه قائمون بمصلحته حتى نرده إليك.


الصفحة التالية
Icon