خلوصك مما أرادوه بك من الكيد وأنزلوه عليك من الضرر (و) الحال أن (هم لا يشعرون) بأنك أخوهم يوسف لاعتقادهم هلاكك بإلقائهم لك في غيابة الجب ولبعد عهدهم بك ولكونك قد صرت عند ذلك في حال غير ما كنت عليه وخلاف ما عهدوه منك وسيأتي ما قاله لهم عند دخولهم عليه بعد أن صار إليه ملك مصر.
وقال مجاهد: وهم لا يشعرون بذلك الوحي، وقال قتادة فهون ذلك الوحي عليه ما صنع به وعن ابن عباس قال: وهم لم يعملوا بوحي الله إليه.
(وجاءوا أباهم عشاء يبكون) وهو آخر النهار وقيل في الليل ليكونوا في الظلمة أجرأ على الاعتذار بالكذب أي جاءوا باكين أو متباكين لأنهم لم يبكوا حقيقة، بل فعلوا فعل من يبكي ترويجاً لكذبهم وتنفيقاً لمكرهم وغدرهم فلما وصلوا إلى أبيهم
(قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق) أي نتسابق في العدو أو في الرمي، وقيل ننتضل بالسهام، ويؤيده قراءة ابن مسعود ننتضل، قال الزجاج: وهو نوع من المسابقة، وقال الأزهري: النضال في السهام والرهان في الخيل والمسابقة تجمعهما.
قال القشيري: نستبق أي في الرمي أو على الفرس أو على الأقدام والغرض من المسابقة التدرب بذلك في القتال، وقال السدي: يعني نشتد ونعدو وقال مقاتل: نتصيد أي نستبق إلى الصيد (وتركنا يوسف عند متاعنا) أي ثيابنا ليحرسها (فأكله الذئب) الفاء للتعقيب أي أكله عقب ذلك وقد اعتذروا إليه بما خافه سابقاً عليه ورب كلمة تقول لصاحبها دعني.
(وما أنت بمؤمن) أي بمصدق (لنا) في هذا العذر الذي أبدينا والكلمة التي قلناها، وفي هذا الكلام منهم فتح باب اتهامهم كما لا يخفى على صاحب الذوق (ولو كنا) عندك أو في الواقع (صادقين) لما قد علق بقلبك من التهمة لنا في ذلك مع شدة محبتك له، قال الزجاج: والمعنى ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا في هذه القصة لشدة محبتك ليوسف وكذا ذكره ابن جرير وغيره.


الصفحة التالية
Icon