(قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً) من الزنا ونحوه والجملة مستأنفة كأنه قيل فما كان منهما عند أن ألفيا سيدها لدى الباب قالت هذه المقالة طلباً منها للحيلة وللستر على نفسها فنسبت ما كان منها إلى يوسف أي أي جزاء يستحقه من فعل مثل فعل هذا ثم أجابت عن استفهامها بقولها (إلا أن يسجن) أي ما جزاؤه إلا أن يسجن، ويحتمل أن تكون ما نافية أي ليس جزاؤه إلا السجن وإنما بدأت بذكر السجن لأن المحب لا يشتهي إيلام المحبوب، وإنما أرادت أن يسجن عندها يوماً أو يومين ولم ترد السجن الطويل.
قال الخازن: وهذه لطيفة فافهمها، وقال ابن الخطيب: وأما الحبس الدائم فإنه لا يعبر عنه بهذه العبارة بل يقال يجب أن يجعل من المسجونين كما قال فرعون لأجعلنك من المسجونين ذكره الكرخي (أو عذاب أليم) قيل هو الضرب بالسياط والظاهر أنه ما يصدق عليه العذاب الأليم من ضرب أو غيره وفي الإبهام للعذاب زيادة تهويل لشأن الجزاء المذكور بكونه قانوناً مطرداً في حق كل أحد كائناً من كان.
وفي ذكر نفسها بعنوان أهلية العزيز إعظام للخطب وإغراء له على تحقيق ما تتوخاه بحكم الغضب والحمية قاله أبو السعود، ولم تقل أن يوسف يجب أن يقابل بأحد هذين الأمرين بل ذكرت ذلك ذكراً كلياً صوناً للمحبوب عن الذكر الشر.
فلما سمع يوسف مقالتها أراد أن يبرهن عن نفسه
(قال هي راودتني عن نفسي) يعني طلبت مني الفحشاء فأبيت وفررت، والجملة مستأنفة كالجملة الأولى وقد تقدم بيان معنى المراودة أي هي التي طلبت مني ذلك ولم أرد بها سوءاً، ولم يقل هذه ولا تلك لفرط استحيائه وهو أدب حسن حيث أتى بلفظ الغيبة دون الحضور، ولم يكن يريد أن يذكر هذا القول ولا يهتك سترها ولكن لما قالت هي ما قالت ولطخت عرضه احتاج إلى إزالة هذه التهمة عن نفسه فقال ما قال.


الصفحة التالية
Icon