قال الخفاجي: ورد بأنها صحيحة رواية ودراية أما الأول فلأنها رواها في المبهج عن عبد الوارث بسند صحيح، وأما الثاني فلأن من قرأ بهذه قرأ ملك بكسر اللام فتصح المقابلة أي ما هذا عبد لئيم بملك بل سيد كريم مالك. انتهى
وإنما نفين عنه البشرية لما شاهدن فيه من الجمال العبقري ولأنه قد برز في صورة قد لبست من الحسن البديع ما لم يعهد على أحد من البشر ولا أبصر المبصرون ما يقاربه في جميع النسمة البشرية ثم لما نفين عنه البشرية لهذه العلة أثبتن له الملكية وإن كن لا يعرفن الملائكة وقلن:
(إن هذا إلا ملك كريم) على الله لأنه قد تقرر في الطباع وركز في النفوس أنهم على شكل فوق شكل البشر في الذوات والصفات وأن لا شيء أحسن من الملك وأنهم فائقون في كل شيء كما تقرر فيها أن الشياطين على العكس من ذلك ولا أقبح منهم والمقصود من هذا إثبات الحسن العظيم المفرط ليوسف.
واعلم أنه لا يلزم من قول النسوة هذا أن الملائكة صورهم أحسن من صور بني آدم فإنهن لم يقلنه لدليل بل حكمن على الغيب بمجرد الاعتقاد المرتكز في طباعهن وذلك ممنوع، فإن الله سبحانه يقول (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) وظاهر هذا أنه لم يكن شيء مثله من أنواع المخلوقات في حسن تقويمه وكمال صورته فما قاله صاحب الكشاف في هذا المقام هو من جملة تعصباته لما رسخ في عقله من أقوال المعتزلة.
على أن هذه المسألة أعني مسألة المفاضلة بين الملائكة والبشر ليست من مسائل الدين في ورد ولا صدر فما أغنى عباد الله عنها وأحوجهم إلى غيرها من مسائل التكاليف قال قتادة: قلن ملك من الملائكة من حسنه وغرابة جماله، وأخرج أحمد وغيره عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " أعطي يوسف وأمه شطر الحسن " (١) وقد وردت روايات عن جماعة من السلف في وصف
_________
(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب الإسراء وفرض الصلوات، رقم ١٦٢ من حديث طويل فيه: " فإذا أنا بيوسف (عليه السلام) إذا هو قد أعطى شطر الحسن ". وأخرجه الإمام أحمد ٣/ ١٤٨، ٢٨٦.