ثم ذكروا له ما أمرهم به يوسف عليه السلام فقالوا (فأرسل معنا أخانا) بنيامين إلى مصر (نكتل) بسبب إرساله معنا ما نريده من الطعام وهو مجزوم في جواب الأمر. وأصله نكتيل بوزن نغتنم ووزنه الآن نفتل، وبحسب الأصل نفتعل قرأ سائر الكوفيين بالتحتية، واختار أبو عبيدة قراءة النون قال: ليكونوا كلهم داخلين فيمن يكتال، وزعم أنه إذا كان بالياء كان للأخ وحده أي يكتال أخونا بنيامين واعترضه النحاس بما حاصله إن إسناد الكيل إلى الأخ لا ينافى كونه للجميع والمعنى يكتال بنيامين لنا جميعاً، والقراءتان سبعيتان، قال الزجاج: أي إن أرسلته اكتلنا وإلا منعنا الكيل (وإنا له) أي لبنيامين (لحافظون) من أن يصبه سوء أو مكروه.
(قال) يعقوب لما قالوا له هذه المقالة (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل) مستأنفة كما تقدم نظائر ذلك في مواضع كثيرة، والمعنى أنه لا يأمنهم على بنيامين إلا كما أمنهم على أخيه يوسف عليه السلام وقد قالوا له في يوسف عليه السلام وإنا له لحافظون كما قالوا هنا ثم خانوه في يوسف عليه السلام فهو إن آمنهم في بنيامين خاف أن يخونوه كما خانوه في يوسف عليه السلام.
(فالله خير حافظاً) منصوب على الحالية وقرئ حفظاً على التمييز، ولعل هنا إضماراً والتقدير فتوكل يعقوب على الله ودفعه إليهم وقال فالله خير حافظاً والمعنى أن حفظ الله إياه خير من حفظهم له وإنما أرسله معهم لأنه لم يشاهد فيما بينهم وبين بنيامين من الحقد والحسد مثل ما شاهد بينهم وبين يوسف عليه السلام، أو أن شدة القحط وضيق الوقت أحوجه إلى ذلك.
(وهو أرحم الراحمين) فأرجو أن ينعم عليَّ بحفظه ولا يجمع عليَّ مصيبتين قيل لما وكل يعقوب حفظه إلى الله سبحانه حفظه وأرجعه إليه، ولما قال في يوسف عليه السلام (وأخاف أن يأكله الذئب) وقع له من الامتحان ما وقع، قال كعب: لما قال ذلك قال الله تعالى وعزتي وجلالي لأردن عليك كليهما.