وقال آخرون: ما كان يغني عنهم يعقوب شيئاً قط حيث أصابهم ما أصابهم مع تفرقهم من إضافة السرقة إليهم، قال أبو السعود: ولم يرد عليه السلام إلغاء الحذر بالمرة، كيف لا وقد قال تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقال تعالى (خذوا حذركم) بل أراد بيان أن ما وصاهم به ليس مما يستوجب المراد لا محالة بل هو تدبير في الجملة، وإنما التأثير وترتب المنفعة عليه من العزيز القدير، وأن ذلك ليس بمدافعة للقدر بل هو استعانة بالله وهرب منه إليه. ثم صرح يعقوب بأنه لا حكم إلا لله سبحانه فقال (إن الحكم إلا لله) وحده لا لغيره ولا يشاركه فيه مشارك (عليه) لا على غيره (توكلت) أي اعتمدت ووثقت في كل إيراد وإصدار (وعليه) لا على غيره (فليتوكل المتوكلون) على العموم ويدخل فيه أولاده دخولاً أولياً.
(ولما دخلوا) المدينة (من حيث أمرهم أبوهم) أي من الأبواب المتفرقة ولم يجتمعوا داخلين من باب واحد، وجواب لما (ما كان يغني عنهم) ذلك الدخول أو رأي يعقوب واتباعهم له (من الله) أي من جهته (من شيء) من الأشياء مما قدره الله عليهم، أي الذي أراد وقوعه فقد نسبوا للسرقة وأخذ منهم بنيامين، وتضاعفت المصيبة على يعقوب لأن الحذر لا يدفع القدر.
والاستثناء بقوله (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) منقطع، والمعنى ولكن حاجة كانت في نفسه وهي شفقته عليهم ومحبته لسلامتهم أظهرها ْيعقوب لهم ووصاهم بها غير معتقد إن للتدبير الذي دبره لهم تأثيراً في دفع ما قضاه الله عليهم، وقيل أنه خطر ببال يعقوب أن الله إذا رآهم مجتمعين مع ما يظهر فيهم من كمال الخلقة وسيما الشجاعة أوقع بهم حسداً وحقداً وخوفاً منهم فأمرهم بالتفرق لهذه العلة.
وقد اختار هذا النحاس وقال لا معنى للعين هنا؛ وفيه أن هذا لو كان السبب لأمرهم بالتفرق لم يخص النهي عن ذلك بالاجتماع عند الدخول من


الصفحة التالية
Icon