عليه السلام وأنه لا حقيقة لذلك. ثم أرادوا أن يستعطفوه ليطلق لهم أخاه بنيامين ويكون معهم ويرجعون به إلى أبيهم لما تقدم من أخذه الميثاق عليهم بأن يردوه إليه
(قالوا يا أيها العزيز إن له) أي لبنيامين هذا (أباً) متصفاً بكونه (شيخاً كبيراً) في السن لا يستطيع فراقه ولا يصبر عنه ولا يقدر على الوصول إليه، وقيل كبيراً في القدر لأنه نبي من أولاد الأنبياء وفيه بعد ظاهر، والأول أولى (فخذ أحدنا مكانه) يبقى لديك فإن له منزلة في قلب أبيه ليست لواحد منا، فلا يتضرر بفراق أحدنا كما يتضرر بفراق بنيامين.
ثم عللوا ذلك بقولهم (إنا نراك من المحسنين) إلى الناس كافة، وإلينا خاصة فأتم إحسانك إلينا بإجابتنا إلى هذا المطلب، فأجاب عليهم يوسف و
(قال معاذ الله) أي نعوذ بالله معاذاً فهو مصدر، والمستعيذ بالله هو المستعصم به (أن) أي من أن (نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) وهو بنيامين لأنه الذي وجد الصواع في رحله فقد حل لنا استعباده بفتواكم التي أفتيتمونا بقولكم (جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) ولم يقل " من سرق " تحرزاً عن الكذب لأنه يعلم أن أخاه ليس بسارق.
وفيه جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف شريعة ولا هدمت أصلاً، ولعل الله أمر يوسف عليه السلام بذلك تشديداً للمحنة على يعقوب، ونهاه عن العفو والصفح وأخذ البدل كما أمر صاحب موسى بقتل من لو بقي لطغى وكفر، قاله ابن عادل في اللباب في علوم الكتاب. وجزم صاحب الكشاف بأن هذه الواقعة كانت بوحي كما مر مراراً (إنا إذاً) أي إذا أخذنا غير من وجدنا متاعنا عنده (لظالمون) في دينكم وما تقتضيه فتواكم.