النبات مصفراً، فتغيب جثته في الرمس كأن لم تغن بالأمس، إلى أن يعود ربيع البعث وموعد العرض والبحث.
وكذلك حال الدنيا كالماء ينفع قليله، ويهلك كثيره ولا بد من ترك ما زاد، كما لا بد من أخذ الزاد، وأخذ المال لا يخلو من زلة، كما أن خائض الماء لا ينجو من بلة، وجمعه وإمساكه، تلف صاحبه وإهلاكه، فما دون النصاب كضحضاح ماء؛ يجاوز بلا احتماء، والنصاب كنهر حائل بين المجتاز والجواز إلى المفاز لا يمكن إلا بقنطرة وهي الزكاة وعمارتها بذل الصلاة، فمتى اختلت القنطرة غرقته أمواج القناطير المقنطرة. وكذا المال يساعد الأوغاد، دون الأمجاد، كما أن الماء يجتمع في الوهاد دون النجاد، وكذلك المال لا يجتمع إلا بكد البخيل، كما أن الماء لا يجتمع إلا بسد المسيل ثم يفنى ويتلف ولا يبقى كالماء في الكف انتهى.
(والله يدعو إلى دار السلام) لما نفر عباده عن الميل إلى الدنيا بما ضربه لهم من المثل السابق، رغبهم في الدار الآخرة بإخبارهم بهذه الدعوة منه عز وجل إلى دار السلام، قال الحسن وقتادة: السلام هو الله تعالى وداره الجنة، وقال الزجاج: والمعنى والله يدعو إلى دار السلامة، ومعنى السلام والسلامة واحد كالرضاع والرضاعة.
وقيل أراد دار السلام الذي هو التحية لأن أهلها ينالون من الله السلام بمعنى التحية كما في قوله: (تحيتهم فيها سلام) وقيل السلام اسم لأحد الجنان السبع (أحدها) دار السلام (والثانية) دار الجلال (والثالثة) جنة عدن (والرابعة) جنة المأوى (والخامسة) جنة الخلد (والسادسة) جنة الفردوس (والسابعة) جنة النعيم.
وقيل المراد دار السلام الواقع من المؤمنين بعضهم على بعض في الجنة،


الصفحة التالية
Icon