قلت: والأول أظهر قال النسفي هي بياء صريحة بخلاف الخبائث ونحوها فإن تصريح الياء فيها خطأ انتهى. وقرئ بالهمز على التشبيه بشمائل، وقد ذكر في الأعراف وهي شاذة وقراءة الجمهور بالياء لأنها في المفرد أصلية لأن مفرده معيشة من العيش فالياء أصلية والمد في المفرد لا يقلب همزاً في الجمع إلا إذا كان زائداً في المفرد قاله في الجمل.
(ومن لستم له برازقين) عطف على معايش أو على محل لكم وهم المماليك والعبيد والخدم والدواب والأولاد الذين رازقهم في الحقيقة هو الله وإن ظن بعض العباد أنه الرازق لهم باعتبار استقلاله بالكسب، وهذا في غاية الامتنان والمعنى على الثاني وجعلنا لمن لستم له برازقين فيها معايش، وهم من تقدم ذكره ويدخل في ذلك الدواب على اختلاف أجناسها، وقيل أراد الوحش قاله منصور. وقال مجاهد: الأنعام، وقيل الطيور، ومنه قوله (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها).
(وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) إن هي النافية ومن مزيدة للتأكيد، وهذا التركيب عام لوقوع النكرة في حيز النفي مع زيادة من ومع لفظ شيء المتناول لكل الموجودات الصادق على كل فرد منها، فأفاد ذلك أن جميع الأشياء عند الله خزائنها لا يخرج منها شيء، والخزائن جمع خزانة وهي المكان الذي يحفظ فيه نفائس الأمور، وذكر الخزائن تمثيل لاقتداره على كل مقدور.
والمعنى أن كل الممكنات مقدورة ومملوكة لله تعالى يخرجها من العدم إلى الوجود بمقدار كيف شاء، وقال جمهور المفسرين إن المراد بما في الآية هو المطر لأنه سبب الأرزاق والمعايش، وعن ابن مسعود وابن عباس: ما نقص المطر منذ أنزله الله ولكن تمطر أرض أكثر مما تمطر أخرى، ثم قرأ وما ننزله الآية.
قال ابن الخطيب: وتخصيص قوله هذا بالمطر تحكم محض لأن قوله وإن من شيء يتناول جميع الأشياء إلا ما خصه الدليل، وقيل الخزائن المفاتيح أي ما من شيء إلا عندنا في السماء مفاتيحه والأولى ما ذكرناه من العموم لكل


الصفحة التالية
Icon