ظاهر النظم القرآني. والأولى ما دل عليه ظاهر اللفظ فالأول أولى والخطاب للملائكة الذين قال الله لهم إني خالق بشراً.
(فسجد الملائكة كلهم أجمعون) عند أمر الله سبحانه لهم بذلك من غير تراخ، قال المبرد: قوله كلهم أزال احتمال أن بعض الملائكة لم يسجد، فظهر أنهم بأسرهم سجدوا، ثم عند هذا بقي احتمال وهو أنهم هل سجدوا دفعة واحدة أو سجد كل واحد في وقت؟ فلما قال (أجمعون) ظهر أن الكل سجدوا دفعة واحدة، وهو إيضاح لما سبق، وقيل قوله أجمعون توكيد بعد توكيد، ورجح هذا الزجاج.
قال النيسابوري: وذلك لأن أجمع معرفة فلا يقع حالاً، ولو صح أن يكون حالاً لكان منتصباً، قال الكرخي: فيه تأكيدان لزيادة تمكين المعنى وتقريره في الذهن ولا يكون تحصيلاً للحاصل؛ لأن نسبة أجمعون إلى كلهم كنسبة كلهم إلى أصل الجملة، أو أجمعون يفيد معنى الاجتماع. وقيل هما تأكيدان للمبالغة وزيادة الاعتناء.
ثم استثنى إبليس من الملائكة فقال
(إلا إبليس) قيل هذا الاستثناء متصل لكونه كان من جنسن الملائكة ولكنه (أبى أن يكون مع الساجدين) استكباراً واستعظاماً لنفسه وحسداً لآدم فحقت عليه كلمة الله وقيل أنه لم يكن من الملائكة ولكنه كان معهم وبينهم فغلب اسم الملائكة عليه وأمر بما أمروا به فكان الاستثناء بهذا الاعتبار متصلاً.
زاد أبو السعود إما لأنه كان جنياً مفرداً مغموراً بألوف من الملائكة فعد منهم تغليباً، وإما لأن من الملائكة جنساً يتوالدون وهو منهم، وقيل أن الاستثناء منقطع منفصل بناء على عدم كونه منهم وعدم تغليبهم عليه، أي ولكن إبليس أبى من السجدة، وقد تقدم الكلام في هذا في سورة البقرة.
وهذه الحملة على الأول استئناف مبين لكيفية عدم السجود المفهوم من الاستثناء لأن مطلق عدم السجود قد يكون مع التردد، فبيَّن سبحانه أنه كان على وجه الإباء والاستكبار.


الصفحة التالية
Icon