وفيه إشارة إجمالية إلى كونه خيراً منه وقد صرح بذلك في موضع آخر فقال (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) وقال في موضع آخر (أأسجد لمن خلقت طيناً) ولم يدر الخبيث أن الفضل فيما فضله الله تعالى، قال الكرخي: وحاصل كلامه أن كونه بشراً يشعر بكونه جسماً كثيفاً وهو كان روحانياً لطيفاً فكأنه يقول البشر الجسماني الكثيف أدوَن حالاً من الروحاني اللطيف فكيف يسجد الأعلى للأدنى.
وأيضاً فآدم مخلوق من صلصال تولد من حمأ مسنون، وهذا الأصل في غاية الدناءة وأصل إبليس هي النار وهي أشرف العناصر، فكان أصل إبليس أشرف من أصل آدم والأشرف يقبح أن يؤمر بالسجود للأدون، فهذا مجموع شبه إبليس فأجاب الله سبحانه عليه بقوله:
(قال فاخرج منها) أي فحيث عصيت وتكبرت فاخرج منها (فإنك رجيم) والضمير في منها قيل عائد إلى الجنة، وقيل إلى السماء، وقيل إلى زمرة الملائكة، والرجيم المرجوم بالشهب، وقيل معناه ملعون أي مطرود، لأن من يطرد يرجم بالحجارة.
وفي القاموس الرجم اللعن والشتم والطرد والهجران؛ وفي المصباح الرجم بفتحتين الحجارة والرجم القبر سمي بذلك لما يجتمع عليه من الأحجار ورجمته رجماً من باب قتل ضربته بالرجم.
(وإن عليك اللعنة) أي الطرد والإبعاد من رحمة الله سبحانه مستمراً عليك لازماً لك (إلى يوم الدين) وهو يوم القيامة والجزاء، وقيل هو ملعون في السماوات والأرض وجعل يوم الدين غاية للعنة لا يستلزم انقطاعها في ذلك الوقت لأن المراد دوامها من غير انقطاع وذكر يوم الدين للمبالغة كما في قوله تعالى (ما دامت السماوات والأرض) أو أن المراد أنه في يوم الدين وما بعده يُعَذَّب بما هو أشد من اللعن من أنواع العذاب بما ينسى اللعن معه فكأنه لا يجد له ما كان يجده قبل أن يمسه العذاب.


الصفحة التالية
Icon