ونفضل الحب والثمر بعضها على بعض طعماً وشكلا ورائحة وقدراً وحلاوة وحموضة وغضاضة وغير ذلك من الطعوم، وفضلها أيضاً في غير ذلك كاللون والنفع والضر وإنما اقتصر على الأكل لأنه أعظم المنافع.
(إن في ذلك) المذكور (لآيات) دلالات على بديع صنعه وعظيم قدرته فإن القطع المتجاورة والجنات المتلاصقة المشتملة على أنواع النبات مع كونها تسقى بماء واحد وتتفاضل في الثمرات في الأكل فيكون طعم بعضها حلو والآخر حامضاً وهذا في غاية الجودة، وهذا ليس بجيد، وهذا فائق في حسنه، وهذا غير فائق مما يقطع من تفكر واعتبر ونظر نظر العقلاء أن السبب المقتضى لاختلافها ليس إلا قدرة الصانع الحكيم جل سلطانه وتعالى شأنه، لأن تأثير الاختلاف فيما يخرج منها ويحصل من ثمراتها لا يكون في نظر العقلاء إلا للسببين. إما اختلاف المكان الذي هو المنبت أو اختلاف الماء الذي تسقى به، فإذا كان المكان متجاوراً وقطع الأرض متلاصقة والماء الذي تسقى به واحداً لم يبق سبب للاختلاف في نظر العقل إلا تلك القدرة الباهرة والصنع العجيب.
(لقوم يعقلون) أي يعملون على قضية العقل وما يوجبه غير مهملين لما يقتضيه من التفكر في المخلوقات والاعتبار في العبر الموجودات، أي يستعملون عقولهم بالتفكر فيها، خص هذا بالعقل والأول بالتفكر لأن الاستدلال باختلاف النهار أسهل، ولأن التفكر في الشيء سبب لتعقله والسبب مقدم على المسبب، فناسب تقديم التفكر على التعقل.
قال الحسن: هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم، فالناس خلقوا من آدم فينزل عليهم من السماء تذكرة فترق قلوب قوم وتخشع وتخضع، وتقسو قلوب قوم فتلهو ولا تسمع. وقال أيضاً: والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان، قال الله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً).


الصفحة التالية
Icon