وإعياء لعدم وجود ما يتسبب عنه ذلك في الجنة لأنها نعيم خالص، ولذة محضة تحصل لهم بسهولة وتوافيهم مطالبهم بلا كسب ولا جهد، بل بمجرد خطور شهوة الشيء بقلوبهم يحصل ذلك الشيء عندهم صفواً عفواً قال السدي النصب المشقة والأذى (وما هم منها) أي من الجنة (بمخرجين) أبداً، وهذا نص من الله الكريم في كتابه العزيز على خلود أهل الجنة في الجنة والمراد منه خلود بلا زوال وبقاء بلا فناء وكمال بلا نقصان وفوز بلا حرمان، وفي هذا الخلود الدائم وعلمهم به تمام اللذة وكمال النعيم، فإن علم من هو في نعمة ولذة بانقطاعها وعدمها بعد حين موجب لتنغص نعيمه وتكدر لذته.
ثم قال سبحانه بعد أن قص علينا ما للمتقين عنده من الجزاء العظيم والأجر الجزيل
(نبئ عبادي أني) بفتح الياء فيهما وسكونهما فيهما سبعيتان أي أخبر يا محمد كل من كان معترفاً بعبوديتي وهذا كما يدخل فيه المؤمن المطيع كذلك يدخل فيه المؤمن العاصي (أنا الغفور الرحيم) أي أنا الكثير المغفرة لذنوبهم الكثير الرحمة لهم كما حكمت به على نفسي إن رحمتي سبقت غضبي (١) اللهم اجعلنا من عبادك الذين تفضلت عليهم بالمغفرة وأدخلتهم تحت أوسع الرحمة.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مصعب بن ثابت قال: مرّ النبي ﷺ على ناس من أصحابه يضحكون فقال: " اذكروا الجنة واذكروا النار " فنزلت هذه الآية.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: " إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر كل
_________
(١) مسلم ٢٧٥١ - البخاري ١٥٠٩.


الصفحة التالية
Icon