وأخرج البخاري في التاريخ والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم وابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، ثم قرأ (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) " (١) والفراسة على نوعين:
أحدهما: ما يوقعه الله في قلوب الصلحاء فيعلمون بذلك أحوال الناس بإصابة الحدس والنظر والظن والتثبت.
والثاني: ما يحصل بدلائل التجارب والأخلاق، وللناس في هذا العلم تصانيف قديمة وحديثة، وقال ثعلب: الواسم الناظر إليك من فرقك إلى قدمك، والمعنى متقارب، وأصل التوسم التثبت والتفكر تفعل مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير أو البقر، وقيل أصله استقصاء التعرف يقال توسمت أي تعرفت مستقصياً وجوه التعرف، وقيل هو من الوسم بمعنى العلامة.
_________
(١) الترمذي كتاب التفسير سورة ١٥/ ٦.
(وإنها لبسبيل مقيم) يعني قرى قوم لوط أو مدينتهم على طريق ثابت أو الباء بمعنى (في) وهي الطريق من المدينة إلى الشام فإن السالك في هذه الطريق يمر بتلك القرى ويشاهدها ويرى أثر عذاب الله وغضبه لأنه لم يدثر ولم يخف ولم يزل، وعن ابن عباس معنى لبسبيل لبهلاك، وعن مجاهد لبطريق معلم ليس يخفى وعن قتادة لبطريق واضح.
(إن في ذلك) المذكور من المدينة أو القرى أو ما أنزل بهم من العذاب (لآية للمؤمنين) يعتبرون بها فإن المؤمنين بالله والأنبياء والمرسلين من العباد هم الذين يعتبرون بما يشاهدونه من الآثار ويعرفون إن ذلك إنما كان لانتقام


الصفحة التالية
Icon