جمعهم وكلمتهم بأن تدعوهم إلى التوحيد فإنهم يتفرقون، والأولى أن الصدع الإظهار كما قاله الزجاج والفراء وغيرهما.
قال الواحدي: قال المفسرون أي اجهر بالأمر أي بأمرك بعد إظهار الدعوة وما زال النبي ﷺ مستخفياً حتى نزلت هذه الآية فخرج هو وأصحابه وقال ابن عباس هذا أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ رسالته قومه وجميع من أرسل إليه، واصدع بمعنى أمضه وأعلن.
ثم أمره الله سبحانه بعد أمره بالصدع بالإعراض وعدم الالتفات إلى المشركين فقال (وأعرض عن المشركين) أي لا تبال بهم ولا تلتفت إليهم إذا لاموك على إظهار الدعوة.
قال ابن عباس نسخه قوله تعالى (واقتلوا المشركين) وليس للنسخ وجه لأن معنى الإعراض ترك المبالاة بهم والالتفات إليهم، فلا يكون منسوخاً.
ثم أكد هذا الأمر وثبت قلب رسوله ﷺ بقوله
(إنا كفيناك المستهزئين) مع أنهم كانوا من أكابر الكفار وأهل الشوكة فيهم، فإذا كفاه الله أمرهم بقمعهم وتدميرهم كفاه أمر من هو دونهم بالأولى، وهؤلاء المستهزئون كانوا خمسة من رؤساء أهل مكة الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث والحرث بن الطلاطلة، كذا قال القرطبي ووافقه غيره من المفسرين.
وقد أهلكهم الله جميعاً يوم بدر، وكفاه أمرهم في يوم أحد، وقد روي هذا عن جماعة من الصحابة مع زيادة في عددهم ونقص على طول في ذلك.
ثم وصف هؤلاء المستهزئين بالشرك فقال
(الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر) فلم يكن ذنبهم مجرد الاستهزاء بل لهم ذنب آخر وهو الشرك بالله سبحانه ثم توعدهم فقال (فسوف يعلمون) كيف عاقبتهم في الآخرة وما يصيبهم من عقوبة الله سبحانه.


الصفحة التالية
Icon