فعظمت بطونها وانتفخت ضروعها فيفرح أهلها بها بخلاف تسريحها إلى المرعى فإنها تخرج جائعة البطون ضامرة الضروع.
وخص هذين الوقتين لأنهما وقت نظر الناظرين إليها لأنها عند استقرارها في الحظائر لا يراها أحد، وعند كونها في مراعيها هي متفرقة غير مجتمعة كل واحد منها يرعى في جانب، وأكثر ما تكون هذه الراحة أيام الربيع إذا سقط الغيث ونبت العشب والكلأ وخرجت العرب للنجعة، وأحسن ما تكون النعم في هذا الوقت فإنه يسمع للإبل رغاء وللبقر خوار وللشياه ثغاء يجاوب بعضها بعضاً.
(وتحمل) أي الأنعام والمراد بها هنا الإبل خاصة (أثقالكم) جمع ثقل وهو متاع المسافر من طعام وغيره، وسمي ثقلاً لأنه يثقل الإنسان حمله، وقيل المراد أبدانهم (إلى بلد) غير بلدكم (لم تكونوا بالغيه) أي واصلين إليه لو لم يكن معكم إبل تحمل أثقالكم (إلا بشق الأنفس) لبعده عنكم وعدم وجود ما يحمل ما لا بد لكم منه في السفر، وظاهره يتناول كل بلد بعيد من غير تعيين، وقيل المراد بالبلد مكة، قاله ابن عباس، وقيل اليمن ومصر والشام لأنها متاجر العرب، وشق الأنفس مشقتها، قرئ بكسر الشين وبفتحها.
قال الجوهري: الشق المشقة، ومنه قوله تعالى (إلا بشق الأنفس) وحكى أبو عبيدة فتح الشين وهما بمعنى، ويجوز أن يكون المفتوح مصدراً من شققت عليه أشق شقاً والمكسور بمعنى النصف، يقال أخذت شق الشاة وشقة الشاة، ويكون المعنى على هذا لم تكونوا بالغيه إلا بذهاب نصف الأنفس من التعب.
قد امتن الله سبحانه على عباده بخلق الأنعام على العموم ثم خص الإبل بالذكر لما فيها من نعمة حمل الأثقال دون البقر والغنم، والاستثناء من أعم العام أي لم تكونوا بالغيه بشيء من الأشياء إلا بشق الأنفس، قال ابن عباس: لو تكلفتموه لم تطيقوه إلا بجهد شديد (إن ربكم لرءوف رحيم) حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وتيسير هذه المصالح.


الصفحة التالية
Icon