ولما استدل سبحانه على وجوده وكمال قدرته وبديع صنعته بعجائب أحوال الحيوانات أراد أن يذكر الاستدلال على المطلوب بغرائب أحوال النبات فقال
(هو الذي أنزل من) جهة (السماء) وهي السحاب (ماءً) أي نوعاً من أنواع الماء وهو المطر (لكم منه شراب) هو اسم لما يشرب كالطعام لما يطعم، والمعنى أن الماء النازل من السماء قسمان، قسم يشربه الناس ومن جملته ماء الآبار والعيون فإنه من المطر لقوله فسلكه ينابيع في الأرض (و) قسم يحصل (منه شجر) ترعاه المواشي.
قال الزجاج: كل ما نبت من الأرض فهو شجر لأن التركيب يدل على الاختلاط، ومنه تشاجر القوم إذا اختلط أصوات بعضهم بالبعض، ومعنى الاختلاط حاصل في العشب والكلأ وفيما له ساق. وقال ابن قتيبة: المراد من الشجر في الآية الكلأ، وقيل الشجر كل ما له ساق لقوله تعالى (والنجم والشجر يسجدان) والعطف يقتضي التغاير، فلما كان النجم ما لا ساق له وجب أن يكون الشجر ما له ساق، وأجيب بأن عطف الجنس على النوع جائز.
(فيه تسيمون) أي في الشجر ترعون مواشيكم، يقال سامت السائمة تسوم سوماً رعت فهي سائمة، واسمتها أي أخرجتها إلى الرعي فأنا مسيم وهي مسامة وسائمة، وأصل السوم الإبعاد في المرعى، قال الزجاج: أخذ من السومة وهي العلامة لأنها تؤثر في الأرض علامات برعيها.
وهذه الآية مبنية على مكارم الأخلاق، وهو أن يكون اهتمام الإنسان بمن يكون تحت يده أكمل من اهتمامه بنفسه. وأما الآية الأخرى (كلوا وارعَوا أنعامكم) فمبنية على قوله ﷺ " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول "
(ينبت) الله (لكم به) أي بذلك الماء الذي أنزله من السماء؛ وهذا استئناف أخبار عن منافع الماء وقدم (الزرع) لأنه أصل الأغذية التي يعيش بها الناس، وهو الحب الذي يقتات به كالحنطة والشعير وما أشبههما.