وجه الجمع هو إن كُلاًّ من تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم آية في نفسها بخلاف ما تقدم من الإنبات فإنه آية واحدة، ولا يخلو كل هذا عن تكلف والأولى أن يقال أن هذه المواضع التي أفرد الآية في بعضها وجمعها في بعضها كل واحد منها يصلح للجمع باعتبار وللإفراد باعتبار فلم يجرها على طريقة واحدة افتناناً وتنبيهاً على جواز الأمرين وحسن كل واحد منهما.
(وما ذرأ) أي خلق (لكم في الأرض) يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرأً فهو ذارئ ومنه الذرية، وهي نسل الثقلين، وقد تقدم تحقيق هذا أي وسخر لكم ما ذرأ في الأرض من الدواب والأنعام والأشجار والثمار فالمعنى أنه سبحانه سخر لهم تلك المخلوقات السماوية والمخلوقات الأرضية (مختلفاً ألوانه) أي هيئاته ومناظره فإن ذرء هذه الأشياء على اختلاف الألوان والأشكال مع تساوي الكل في الطبيعة الجسمية آية عظيمة دالة على وجود الصانع سبحانه وتفرده، قال قتادة: مختلفاً في الدواب والشجر والثمار نعم من الله متظاهرة فاشكروها لله.
(إن في ذلك) التسخير لهذه الأمور مع اختلاف طبائعها وأشكالها مع اتحاد موادها (لآية) واضحة (لقوم يذكرون) فإن من تذكر اعتبر ومن اعتبر استدل على المطلوب، قيل وإنما خص المقام الأول بالتفكر لإمكان إيراد الشبهة، وخص الثاني بالعقل لذكره بعد إماطة الشبهة وإزاحة العلة، فمن لم يعترف بعدها بالواحدانية فلا عقل له، وخص الثالث بالتذكر لمزيد الدلالة فمن شك بعد ذلك فلا حس له، وفي هذا من التكلف ما لا يخفى.
والأولى أن يقال هنا كما قلنا فيما تقدم في أفراد الآية في البعض وجمعها في البعض الآخر، وبيانه أن كُلاًّ من هذه المواضع الثلاثة يصلح لذكر التفكر ولذكر التعقل ولذكر التذكر لاعتبارات ظاهرة غير خفية فكان في التعبير في كل موضع بواحد منها افتنان حسن لا يوجد في التعبير بواحد منها في جميع المواضع الثلاثة.
(وهو الذي سخر البحر) امتن الله سبحانه بتسخير البحر بإمكان


الصفحة التالية
Icon