الركوب عليه واستخراج ما فيه من صيد وجواهر لكونه من جملة النعم التي أنعم الله بها على عباده مع ما فيه من الدلالة على وحدانية الرب سبحانه وكمال قدرته، وقد جمع الله سبحانه لعباده في هذا المقام بين التذكير لهم بآياته الأرضية والسماوية والبحرية فأرشدهم إلى النظر، والاستدلال بالآيات المتنوعة المختلفة الأمكنة إتماماً للحجة وتكميلاً للإنذار وتوضيحاً لمنازع الاستدلال ومناطات البرهان، ومواضع النظر والاعتبار.
ثم ذكر العلة في تسخير البحر فقال (لتأكلوا منه لحماً طرياً) المراد به السمك ووصفه بالطراوة للإشعار بلطافته والإرشاد إلى المسارعة بأكله لكونه مما يفسد بسرعة، قال قتادة: يعني حيتان البحر، وقال السدي: وما فيه من الدواب وبدأ بذكر الأكل لأنه أعظم المقصود وبه قوام البدن.
وتسميته لحماً هو مذهب المالكية بخلاف الشافعية والحنفية وعلى هذا فلو حلف لا يأكل لحماً لا يحنث بأكل السمك ولإظهار قدرته في خلقه عذباً طرياً في ماء ملح؛ والطراوة ضد اليبوسة أي غضا جدداً؛ ويقال طريت كذا أي جددته وأطريت فلانا مدحته بأحسن ما فيه ويقال بالغت في مدحه وجاوزته.
(وتستخرجوا منه) أي من البحر وهو الملح فقط (حلية) أي لؤلؤاً ومرجاناً كما في قوله سبحانه (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) والحلية اسم لما يتحلى به واصلها الدلالة على الهيئة كالعمة وفي المصباح حلى الشيء بعيني وبصدري من باب تعب حلا وحسن عندي وأعجبني، وحليت المرأة حلياً ساكن اللام لبست الحلي وجمعه حلي، والأصل على فعول مثل فلس وفلوس والحلية بالكسر الصفة والجمع حلى مقصور وتضم الحاء وتكسر وحلية السيف زينته.
قال ابن فارس: ولا تجمع وتحلت المرأة لبست الحلي أو اتخذته وحليتها بالتشديد ألبستها الحلي أو اتخذته لها لتلبسه وحليت السويق جعلت فيه شيئاً حلواً حتى حلا.


الصفحة التالية
Icon