كان ذلك دليلاً على أن ذلك هو المطابق لمراده والموافق لمشيئته، مع أنهم في الحقيقة لا يعترفون بذلك ولا يقرون به، لكنهم قصدوا ما ذكرنا من الطعن على الرسل، والظاهر أن من الأولى والثانية هاهنا زائدتان، أي ولا حرمنا شيئاً حال كوننا دونه أي دون الله، أي مستقلين بتحريمه. قاله الحفناوي.
(كذلك فعل الذين من قبلهم) من طوائف الكفر فإنهم أشركوا بالله وحرموا ما لم يحرمه وجادلوا رسلهم بالباطل واستهزؤوا بهم ثم قال (فهل على الرسل) الذين يرسلهم الله إلى عباده بما شرعه لهم من الشرائع التي رأسها توحيده وترك الشرك به (إلا البلاغ المبين) إلى من أرسلوا إليهم، بما أمروا بتبليغه بلاغاً واضحاً يفهمه المرسل إليهم ولا يلتبس عليهم والبلاغ مصدر بمعنى الإبلاغ ثم إنه سبحانه أكد هذا وزاده إيضاحاً فقال:
(ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً) كما بعثنا في هؤلاء لإقامة الحجة عليهم وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً وأن في قوله (أن اعبدوا الله) إما مصدرية أي بعثنا بأن اعبدوا الله وحده أو مفسرة لأن في البعث معنى القول والوجهان حكاهما السمين وغيره.
(واجتنبوا الطاغوت) أي اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم، وكل من دعا إلى الضلال وهو من الطغيان يذكر ويؤنث، ويقع على الواحد كقوله يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به وعلى الجمع كقوله تعالى أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم، والجمع طواغيت والتقدير واجتنبوا عبادتها فالكلام على حذف المضاف.
(فمنهم) أي فمن هذه الأمم التي بعث الله إليها برسله (من هدى الله) أي أرشده إلى دينه وتوحيده وعبادته واجتناب الطاغوت فآمن (ومنهم من حقت عليه الضلالة) أي وجبت وثبتت بالقضاء السابق في الأزل لإصراره على الكفر والعناد فلم يؤمن.
قال الزجاج: إعلم أنه بعث الرسل بالأمر بالعبادة وهو من وراء


الصفحة التالية
Icon