يمتنع عليه شيء وأن وجوده عند إرادته كوجود المأمور به عند أمر الأمير المطاع إذا ورد على المأمور المطيع، وليس هناك قول ولا مقول له، ولا أمر ولا مأمور، ولا كاف ولا نون حتى يقال إنه يلزم منه أحد محالين إما خطاب المعدوم أو تحصيل الحاصل.
قلت: هكذا قال أكثر المفسرين وهو يخالف ظاهر النظم القرآني والحق ما دلت عليه الآية من القول وهو على حقيقته وأنه جرت العادة الإلهية وقد مضى تفسير ذلك في سورة البقرة مستوفى، وفي الآية الكريمة من الفخامة والجزالة ما يحار فيه العقول والألباب.
(والذين هاجروا) قد تقدم معنى الهجرة في سورة النساء وهي ترك الأهل والأوطان أي انتقلوا من مكة إلى المدينة لإقامة دين الله تعالى ومعنى (في الله) في شأن الله سبحانه وفي رضاه، وقيل في دين الله، وقيل في بمعنى لام التعليل أي الله (من بعد ما ظُلموا) أي عُذبوا وأهينوا، وقد اختلف في سبب نزول الآية فقيل نزلت في صهيب وبلال وخباب وعمار واعترض بأن السورة مكيّة وذلك يخالف قوله (والذين هاجروا) وأجيب بأنه يمكن أن تكون هذه الآية من جملة الآيات المدنية في هذه السورة كما قدمنا في عنوانها.
وقيل نزلت في أبي جندل بن سهيل، وقيل نزلت في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة ثم بوّأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة وجعل لهم أنصاراً من المؤمنين.
(لنبوّأنهم في الدنيا حسنة) قيل المراد نزولهم المدينة قاله ابن عباس والحسن والشعبي وقتادة، وقيل المراد الرزق الحسن قاله مجاهد، وقيل النصر على عدوّهم، قاله الضحاك، وقيل ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من الولايات، وقيل ما بقي لهم فيها من الثناء وصار لأولادهم من الشرف ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور والمعنى لنبوّأنهم مباءة


الصفحة التالية
Icon