بين الخطاب وقيام الساعة متناهية، ومنها إلى الأبد غير متناه، ولا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي أو يقال إن الساعة لما كانت آتية ولا بد جعلت في القرب كلمح البصر وقال الزجاج: لم يرد أن الساعة تأتي في لمح البصر، وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها لأنه يقول للشيء كن فيكون.
وقيل المعنى هي عند الله كذلك وإن لم تكن عند المخلوقين بهذه الصفة، ومثله قوله سبحانه (إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً) ولفظ (أو) ليس للشك بل للتمثيل أو للتخيير، وقيل دخلت لشك المخاطب، وقيل هي بمنزلة بل (إن الله على كل شيء قدير) ومجيء الساعة بسرعة من جملة مقدوراته.
ثم أنه سبحانه ذكر حالة أخرى للإنسان دالّة على غاية قدرته ونهاية رأفته فقال
(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) معطوف على قوله والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً منتظم معه في سلك أدلة التوحيد أي أخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالاً لا علم لكم بشيء ولا تعلمون شيئا مما أُخذ عليكم من الميثاق وقيل مما قضى به عليكم من السعادة والشقاوة، وقيل شيئاً من منافعكم والأولى التعميم لتشمل الآية هذه الأمور وغيرها اعتباراً بعموم اللفظ فإن شيئاً نكرة واقعة في سياق النفي.
(وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) أي ركب فيكم هذه الأشياء وليس فيه دلالة على تأخير هذا الجعل عن الإخراج لما أن مدلول الواو هو مطلق الجمع والمعنى جعل لكم هذه الأشياء لتحصلوا بها العلم الذي كان مسلوباً عنكم عند إخراجكم من بطون أمهاتكم وتعملوا بموجب ذلك العلم من شكر النعم وعبادته والقيام بحقوقه.
ونكتة تأخيره أن السمع ونحوه من آلات الإدراك إنما يعتد به إذا أحس وأدرك، وذلك بعد الإخراج وقدم السمع على البصر لأنه طريق تلقي الوحي