أو لأن إدراكه أقدم من إدراك البصر والأفئدة جمع فؤاد وهو وسط القلب منزل منه بمنزلة القلب من الصدر، وقد قدمنا الوجه في أفراد السمع وجمع الأبصار والأفئدة وهو أن أفراد السمع لكونه مصدراً في الأصل يتناول القليل والكثير (لعلكم تشكرون) أي لكي تصرفوا كل آلة فيما خلقت له فعند ذلك تعرفون مقدار ما أنعم الله به عليكم فتشكرونه أو أن هذا الصرف هو نفس الشكر.
ثم ذكر سبحانه دليلاً آخر على كمال قدرته فقال
(ألم يروا إلى الطير مسخرات) أي ألم ينظروا إليها حال كونها مذللات للطيران، بما خلق الله لها من الأجنحة وسائر الأسباب المؤاتية لذلك كرقة قوام الهواء وإلهامها بسط الجناح وقبضه كما يفعل السابح في الماء (في جو السماء) أي في الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلو وإضافته إلى السماء لكونه في جانبها قال كعب أن الطير ترتفع في الجو اثني عشر ميلاً ولا ترتفع فوق ذلك.
(وما يمسكهن) في قبضهن وبسطهن ووقوفهن في الجوّ (إلا الله) سبحانه بقدرته الباهرة فإن ثقل أجسامها ورقة قوام الهواء يقتضيان سقوطها لأنها لم تتعلق بشيء من فوقها ولا اعتمدت على شيء تحتها (إن في ذلك) التسخير على تلك الصفة (لآيات) ظاهرة تدل على وحدانية الله سبحانه وقدرته الباهرة (لقوم يؤمنون) بالله سبحانه وبما جاءت به رسله من الشرائع التي شرعها.


الصفحة التالية
Icon