وهو جبريل عليه السلام فهو من إضافة الموصوف إلى الصفة كما يقال حاتم الجود وطلحة الخير (من ربك) أي ابتداء تنزيله من عنده سبحانه (بالحق) أي متلبساً بكونه حقاً ثابتاً لحكمة بالغة.
(ليثبت الذين آمنوا) على الإيمان فيقولون كل من الناسخ والمنسوخ من عند ربنا ولأنهم أيضاً إذا عرفوا ما في النسخ من المصالح ثبتت أقدامهم على الإيمان ورسخت عقائدهم وقرئ من الإثبات (وهدى وبشرى للمسلمين) معطوفان على محل ليثبت أي تثبيتاً لهم وهداية وبشارة وفيه تعريض بحصول أضداد هذه الخصائل لغيرهم.
ثم ذكر سبحانه شبهة أخرى من شبههم فقال
(ولقد نعلم) علماً مستمراً (أنهم يقولون إنما يعلمه بشر) وليس هو من عند الله كما هو يزعم، واللام هي الموطئة أي والله لقد نعلم أن هؤلاء الكفار يقولون إنما يعلم محمداً القرآن بشر من بني آدم غير ملك.
وقد اختلف أهل العلم في تعيين هذا البشر الذي زعموا عليه ما زعموا فقيل هو غلام الفاكه بن المغيرة واسمه جبر وكان نصرانياً حداداً رومياً فأسلم، وكان قريش إذا سمعوا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبار القرون الأولى مع كونه أمياً قالوا إنما يعلمه جبر.
وقيل اسمه عايش أو يعيش عبد لبني الحضرمي وكان يقرأ الكتب الأعجمية، وقيل غلام لبني عامر بن لؤي، وقيل عنوا سلمان الفارسي، وقيل عنوا نصرانياً بمكة اسمه بلعام وكان يقرأ التوراة، وقيل عنوا رجلاً نصرانياً كان اسمه أبا ميسرة يتكلم بالرومية، وفي رواية اسمه عداس وقيل أرادوا بالبشر غلامين اسم أحدهما يسار واسم الآخر جبر، وكانا صيقليَّين يعملان السيوف بمكة، وكانا يقرآن كتاباً لهم، وقيل كانا يقرآن التوراة والإنجيل وكان النبي ﷺ يمر عليهما ويسمع ما يقرآنه فقال المشركون إنما يتعلم منهما؛ قاله عبد الله بن مسلم الحضرمي.


الصفحة التالية
Icon