لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله تعالى (وإن عاقبتم) الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " نصبر ولا نعاقب: كفوا عن القوم إلا أربعة " (١)
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم عن أبي هريرة أن النبي ﷺ وقف على حمزة حيث استشهد فنظر إلى منظر لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه ونظر إليه قد مثل به فقال " رحمة الله عليك فإنك كنت ما علمت وصولاً للرحم فعولاً للخير، ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من أرواح شتى، أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك " فنزل جبريل والنبي ﷺ واقف بخواتيم سورة النحل (وإن عاقبتم) الآية فكفر النبي ﷺ عن يمينه وأمسك عن الذي أراد وصبر، وعن ابن عباس مرفوعاً نحوه أخرجه الطبراني وابن المنذر وغيرهما (٢).
وهذا القول من النبي ﷺ كأنه كان باجتهاد منه وعليه فلينظر هل قوله تعالى (ولئن صبرتم) الخ نسخ لهذا الاجتهاد أو تنبيه على خطئه تأمل، وعنه قال هذا حين أمر الله نبيه أن يقاتل من قاتله ثم نزلت براءة وانسلاخ الأشهر الحرم فهذا منسوخ.
ثم أمر سبحانه رسوله ﷺ بالصبر فقال
_________
(١) المستدرك كتاب التفسير ٢/ ٣٥٩.
(٢) المستدرك كتاب حمزة ٣/ ١٩٧.
(واصبر) على ما أصابك من صنوف الأذى (وما صبرك إلا بالله) أي بتوفيقه وتثبيته؛ والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء أي وما صبرك مصحوباً بشيء من الأشياء إلا بتوفيقه لك، وفيه تسلية للنبي ﷺ ثم نهاه عن الحزن فقال (ولا تحزن عليهم) أي على الكافرين في إعراضهم عنك واستحقاقهم للعذاب الدائم أو لا تحزن على قتلى أحد فإنهم قد أفضوا إلى رحمة الله.


الصفحة التالية
Icon