(من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه) بيَّن سبحانه أن ثواب العمل الصالح وعقاب ضده يختصان بفاعلهما لا يتعديان منه إلى غيره فمن اهتدى بفعل ما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه وعمل بما في تضاعيفه من الأحكام فإنما تعود منفعة ذلك إلى نفسه لا تتخطاه إلى غيره ممن لم يهتد.
(ومن ضل) عن طريق الحق فلم يفعل ما أمر به ولم يترك ما نهى عنه (فإنما يضل عليها) أي فإن وبال ضلاله واقع على نفسه لا يجاوزها فكل أحد محاسب عن نفسه مجزيّ بطاعته معاقب بمعصيته، وهذا حاصل ما تقدم من بيان كون القرآن هادياً لأقوم الطريق ولزوم الأعمال لصاحبها.
ثم أكد هذا الكلام بأبلغ تأكيد فقال (ولا تزر وازرة وزر أخرى) الوزر الإثم يقال وزر يزر وزراً ووزرة أي إثماً والجمع أوزار والوزر الثقل ومنه يحملون أوزارهم على ظهورهم أي أثقال ذنوبهم ومعنى الآية لا تحمل نفس حاملة للوزر وزر نفس أخرى حتى تخلص الأخرى عن وزرها وتؤخذ به الأولى وقد تقدم مثل هذا في الأنعام.
قال الزجاج في تفسير هذه الآية: أن الآثم والمذنب لا يؤاخذ بذنب غيره وهذا تحقيق معنى قوله وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، وأما ما يدل عليه قوله تعالى (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) وقوله تعالى (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) من حمل الغير وزر الغير وانتفاعه بحسنته وتضرره بسيئته فهو في الحقيقة انتفاع بحسنة نفسه وتضرر بسيئتها فإن جزاء الحسنة والسيئة اللتين يعملهما العامل لازم له، وإنما الذي يصل إلى من يشفع جزاء شفاعته لا جزاء أصل الحسنة والسيئة.
وكذلك جزاء الضلال مقصور على الضالين وما يحمله المضلون إنما هو جزاء الإضلال وإنما خص التأكيد بالجملة الثانية قطعاً للأطماع الفارغة حيث