كفرح تنعم وأترفته النعمة أطغته أو نعمته كتَرَّفَتْه تَتْريفاً والمترف كمكرم المتروك يفعل ما يشاء ولا يمنع والمتنعم لا يمنع من تنعمه وتترف تنعم.
(فحق عليها القول) أي ثبت وتحقق ووجب عليهم العذاب والعقاب بعد ظهور فسقهم وتمردهم في كفرهم (فدمرناها تدميراً) عظيماً لا يوقف على كنهه لشدته وعظيم موقعه وأهلكناها إهلاك استئصال والدمار الهلاك والخراب.
ثم ذكر سبحانه أن هذه عادته الجارية مع القرون الخالية فقال
(وكم أهلكنا من القرون) أي كثيراً ما أهلكنا منهم فكم مفعول أهلكنا أي أن من قوم كفروا (من بعد نوح) كعاد وثمود وغيرهم من الأمم الخالية فحل بهم البوار ونزل بهم سوط العذاب وفيه تخويف لكفار مكة، وإنما قال ذلك لأنه أول من كذبه قومه ومن ثم لم يقل من بعد آدم، ومن الثانية لإبتداء الغاية والأولى للبيان فلذلك اتحد متعلقهما.
وقال الحوفي الثانية بدل من الأولى وليس كذلك لاختلاف معنييهما، ثم خاطب رسوله ﷺ بما هو ردع للناس كافة فقال (وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً).
قال الفراء: إنما يجوز إدخال الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه أو يذم كقولك كفاك به وأكرم به رجلاً وطاب بطعامك طعاماً ولا يقال قام بأخيك وأنت تريد قام أخوك؛ والمراد بكونه سبحانه خبيراً أنه محيط بحقائق الأشياء ظاهراً وباطناً عالم بجميع المعلومات راء لجميع المرئيات لا تخفى عليه خافية من أحوال الخلق.
وفي الآية بشارة عظيمة لأهل الطاعة وتخويف شديد لأهل المعصية لأن العلم التام والخبرة الكاملة والبصيرة النافذة يقتضي إيصال الجزاء إلى مستحقه بحسب استحقاقه، ولا ينافيه مزيد التفضل على من هو أهل لذلك.