قال محمد بن زبير: يعني إذا دعواك فقل لبيكما وسعديكما. وقيل هو أن يقول يا أماه يا أبتاه ولا يدعوهما بأسمائهما ولا يكنيهما.
(واخفض لهما جناح الذل) قال سعيد بن جبير: اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظ الغليظ، ذكر القفال في معنى خفض الجناح وجهين:
الأول: أن الطائر إذا أراد ضم فراخه إليه للتربية خفض لها جناحه، فلهذا صار خفض الجناح كناية عن حسن التدبير، فكأنه قال للولد اكفل لوالديك بأن تضمهما إلى نفسك لكبرهما وافتقارهما اليوم إليك كما فعلا ذلك بك في حال صغرك وكنت مفتقراً إليهما.
والثاني: أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه وإذا أراد النزول خفض جناحه، فصار خفض الجناح كناية بليغة عن التواضع وترك الارتفاع، وفي إضافة الجناح إلى الذل وجهان.
الأول: أنها كإضافة حاتم إلى الجود في قولك حاتم الجود فالأصل فيه الجناح الذليل.
والثاني: سلوك سبيل الاستعارة كأنه تخيل للذل جناحاً ثم أثبت لذلك الجناح خفضاً والذل من ذل يذل ذلاً وذلة ومذلة فهو ذليل، وقرئ بكسر الذال من قولهم دابة ذلول بينة الذل أي منقادة سهلة لا صعوبة فيها.
وقوله (من الرحمة) فيه معنى التعليل أي من أجل فرط الشفقة والعطف عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم لمن كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس، قال السمين وفي (من) ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها للتعليل.
والثاني: أنها ابتدائية؛ قال ابن عطية: أي أن هذا الخفض يكون ناشئاً من الرحمة المستكنة في النفس.


الصفحة التالية
Icon